أربع وثمانين وأربعمائة بعض الكبراء والشيوخ والعلماء أن تفكَّروا في أحوال المملكة وانظروا ماذا من السيئات في عهدنا، وماذا خفي علينا، وماذا فعله السلاطين السابقون ولم نفعله، وأعلمونا به. وكذلك اكتبوا ما تعرفون من سنن الملوك السالفين مما يتعلق بدولة السلاجقة وملكهم، واعرضوه علينا لنتأمّله ونأمر بعدُ أن يسير كل عمل ديني ودنيوي على قاعدته، ويوضع كل شيء في موضعه، وننهي عما لا يُستحسن. فإن الله وهبنا الدنيا وأتم نعمته علينا وقهر أعدائنا فلا ينبغي أن يكون أمر في مملكتنا ناقصاً أو يذهب عمل على غير وجهه أو يخفى علينا شيء.
(أمر بهذا نظام الملك، وتاج الملك، ومجد الملك وطائفة أمثالهم، فكتب كلُ ما تيسر له في هذا الشأن وعرضه على السلطان فلم يعجبه إلا ما كتب نظام الملك فقال: كُتبت هذه الفصول كما أردت فليس في نفسي عليها مزيد. وقد اتخذت هذا الكتاب إمامي وسأعمل به.)
ويقول نظام الملك في خاتمة الكتاب:(هذا كتاب السياسة. أمر سلطان العالم خادمه أن يكتب في هذا الموضوع فامتثل أمره. كتب تسعة وثلاثين فصلاً على عجل ورفعها إلى السدة العالية فلقيت قبولاً. وكانت مختصرة فزدت عليها، وأضفت إلى كل فصل ما يناسبه، وبينتها بلغة واضحة، وقد سلمته إلى ناسخ الخزانة السلطانية محمد المغربي سنة أربع وثمانين وأربعمائة ونحن على عزيمة السفر إلى بغداد، وأمرته أن ينسخه بخط جميل، فإذا لم يتح لي الرجوع من هذه السفرة قدمه إلى السلطان.)
وسأتكلم على الكتاب وأترجم فصوله في المقالات الآتية إن شاء الله.