وأخلاق الأمة هي التي تحكمها. فكل نظام أو تشريع لا يتفق مع هذه الأخلاق ويمتزج بها امتزاجاً تاماً، يكون نظاماً مؤقتاً وتشريعاً لا يدوم طويلاً
ومما يجب التنبه له أن البيئة والأحوال والحوادث، تدل دلالة واضحة على مقتضيات الزمن الذي هي فيه. . . فلو نظرنا إلى التقاليد في أي زمن، ولأي أمة، وجدناها عبارة عن ماضي الأمة في حاجاتها ومشاعرها وأفكارها
فالتقاليد إذن: عوامل تشخص روح الشعب والحقبة التي وجد فيها لما لها من تأثير عظيم في القوم
فإذا بحثنا مثلاً في ضرورة احتياجنا إلى تقاليد في الآداب العامة (أتيكيت) من نواح كثيرة تساءلنا:
١ - لماذا نلاحظ قوانين واصطلاحات خاصة؟
٢ - لماذا يحيى الناس بعضهم بعضاً، بشتى الطرق مثل الانحناء، والابتسام، والسلام باليد، ورفع غطاء الرأس الخ؟
لكي نستطيع الإجابة على أشباه هذه الأمثلة، يجب أن تتبع سير المدنية من مبدئها، فإذا فعلنا ذلك، وجدنا أنه كان من أولى ضروريات الإنسان الهمجي تدبيرُ بعض الطرق، واختراع بعض الوسائط التي تقنع الهمج من قبائل أخرى بأنه لا يريد المشاجرة، ولا الاعتداء، وإنه يريد أن يعيش في سلام.
ولكن كان من الصعب عليه جداً أن يفعل ذلك مبدئيا. فقد كان تفكيره المحدود مرتبكاً بالخوف وبوعورة الحياة. إذ أن الإنسان في تلك العصور الأولى كان دائم الارتياب، شديد التطير، كثير الظن؛ وقد كان مضطراً إلى أن يكون كذلك، لأن حياته كانت متوقفة على حذقه وحرصه
ولكن الحاجة أم الاختراع دائماً، فأقيمت علامات خاصة، وروعيت أشياء أخذ يميزها الهمج، وتعارفوا عليها كتحيات سلام وأمان
فتحية اليوم نتيجة مباشرة لتلك الضرورة الغابرة، ويقاس عليها كثير من التقاليد المتبعة.