والحيوانات الأولية الميكروسكوبية، وهذه الخمائر تذوب في الماء وتفعل فعلها وهي ذائبة فيه
والخمائر لا يمكن القول بأنها كائنات حية بالمعنى التام لأنه لا جسم لها ولا قوام، وهي لا تتغذى ولا تتنفس ولا تنمو ومع ذلك تبدو كأنها حية، وتقوم بأهم مظهر من مظاهر الحياة وهو التخمير على أن كل هذا لا غرابة فيه، لأن الخمائر التي تسلك مسلك الأحياء لم تخرج عن كونها مفروزة من أجسام حية، ولكن المدهش حقاً هو فعل المواد المعدنية الغروية، فقد توصل العلماء إلى تحضير كثير من المواد المعدنية والعضوية على هذه الحالة، ' وقد شوهد أن بعضها مثل الفضة أو المنغانيز وغيرها تخمر المواد القابلة للتخمر. فإذا وضع قليل منها في شراب السكر مثلاً لا يلبث هذا الشراب حتى يختمر، لا فرق في ذلك بين هذا التخمر وبين التخمر الذي تحدثه الكائنات الحية بفعل الخمائر التي تفرزها سوى أن التخمر يتم هنا بأسرع مما يتم في حالة التخمير الحيوي. وأول ما يتبادر إلى الذهن أن جراثيم التخمر العادية تسربت إلى ذلك السائل من الهواء أو من الماء أو من الأوعية العادية والأدوات المستعملة، ولكن الدقة في تعقيم كل هذه الأشياء لا تدع محلا لمثل هذا الاعتراض
واغرب من هذا فعل الكلورفروم المخدر في المواد المعدنية الغروية التي نحن بصددها؛ فانه يخدرها ويبنجها تبنيجاً ويمنعها عن مواصلة التخمير إلى أن يتطاير، ويتلاشى فتعود إلى فعلها هذا المدهش، وإذا أضيف إليها قليل من سبيانور البوتاسيوم وهو سم قاتل، فأنه يمنع فعلها التخميري بتاتاً؛ فكائن هذه المعادن هذه الجمادات المحمضة - ماتت مسمومة ولا يمكن أن تعود إلى أحداث التخمر إلا إذا أزيل عنها هذا السم ثم تحولت إلى معدنها الأصلي الجامد ومنه إلى الحالة الغروية من جديد، وعند ذلك فقط تبعث بعثاً، وتعود إليها الخاصة التي كنا نظنها مقصورة على الأحيان دون غيرها.
وإذا لوحظ أن في المادة الزلالية الموصوفة (الحية) التي تتكون منها خلايا الحيوانات (بما فيها الإنسان) وخلايا النباتات وكذلك في الخمائر التي تفرزها الحية أثرا من المواد المعدنية التي كان يظن البيولوجيون إلى عهد قريب إنها مواد إضافية لا شأن لها بالمادة الحية، وإذا قورن هذا بما تقدم بيانه من فعل المعادن الغروية، لأدركنا معنى النظرية البيولوجية القائلة