للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سفينتها على مشيئة الريح، تضطرب حين تثور، وتستقر حين تسكن. ومن أجل ذلك امتحن الله الفراتين بالقوة الغشوم، فحكم الجيش، واستبد الطيش، واضطرب العيش، وسطت الأيدي المجرمة على عباقر الأمة. ومن أجل ذلك لا نتوقع لسياسة العراق بعد غازي ما توقعه لها الناس بعد فيصل. والغالب في الظن أنها ستجري في عهد فيصل الثاني كما كانت تجري في عهد فيصل الأول. فإن نوري السعيد الذي يقبض على سكانها اليوم هو تلميذ أبي غازي؛ وضعا معاً سياسة العراق الحديث على أساس من المرونة اللبقة، ثم ساساه بنوع من الدكتاتورية المعتدلة التي تسير مع النزاهة وتقف عند حدود العدل. ولعل هذه السياسة الفيصلية هي التي تقتضيها الحال اليوم بعد ما فت في أعضاد الشعب توزع الرأي وتقلب الهوى وتوقح الخصومة

إن مصرع الملك الشاب على هذه الصورة الأليمة فاجعة تدمى العيون وترمض الجوانح.

وإن العالم العربي كله ليشاطر العراق الحزين أساه على سيد شبابه ومناط أمله؛ ولكن للدواهي النُّكر صدمات تهز الشعور وتوقظ الفطنة، فتنبه على قدر ما تُذهل، وتوجه على أثر ما تُضل. والشعب العراقي من الشعوب الكريمة الحرة التي تصقلها الخطوب وتلمها الأحداث فتقف بفطرتها السليمة أمام الخطر هوىً واحداً ورأياً جميعاً وعزيمة صادقة. وسيرى الذين يتخيلون ويتقولون أن إرادته الصارمة الحازمة ستَثبت لدواعي الشقاق ونواجم البغي، وتُثبت أن عصر فيصل الثاني سيكون عصره الذهبي الثاني، فيشتد بنيانه ويمتد سلطانه ويتسع عمرانه وتهبُّ من جوف الهلال الخصيب عبقريات غفت في أحضان الخلود ولكنها لم تمت!

في ذمة الله نبعة فواحة من أرومة الحسين ومن دوحة فيصل، سقاها النبل الخالص، وغذاها الكرم المحض، وتعهدها الحفاظ الحر؛ حتى إذا أوشك الكم أن ينشق عن الزهر المثمرة قصفها الموت المفاجئ، فكان ذُوِيها حسرة في نفس شعب، وقرحة في قلب وطن!

برد الله ثرى غازي بالصيب الهتون من رحمته، وشعب قلب العراق بالصبر الجميل عن مصيبته، وجعل عهد المليك الطفل على العروبة والإسلام عهد سلام ووئام وبركة!

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>