للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ثار سوفوكلس على أحد الأوضاع الهامة التي أخذ إسخيلوس بها نفسه؛ فقد أجاز حوادث القتل وسفك الدماء على المسرح وكان بذلك يثير شجون ويمزق أحشاءهم من الألم، ففي درامته (أجاكس) ينتحر البطل وتتصبب دماؤه أمام المتفرجين، وفي أوديب يسمل الملك عينيه فينبجس الدم منهما ويصيح من الألم مستنجداً أن يقوده أحد. . . هذا إلى المشاهد التي كان يتجنبها إسخيلوس ويجنب نظارته شهودها. . . فقد أوقف سوفوكلس كليتمنسترا تبكي تحت سكين ولدها قائلة له: (حنانيك يا بني لهذا الثدي الذي غذاك بلبانه!) وتكون ابنتها إلكترا واقفة عن كثب فما تكاد استغاثة أمها تصك أذنيها حتى تقول محرضة أخاها على قتل أمه: (وهل استشعرت حناناً لك أو لأبيك من قبل؟). . . أو ذلك المشهد الرائع الفاجع من مشاهد (فيلوكتييس) حينما يظهر البطل في غمرة من الذهول فيملأ المسرح أنيناً ويثير في قلوب النظارة زوابع هائلة من الألم والوجد

يعد المسرحيون هذه الظاهرة عيباً في فن سوفوكلس، بيد أنه كان يوجه دراماته وجهات تحتم أن يعرض تلك المشاهد على نظارته، وكان له من روعة الفن وعبقرية الأداء ما يحيل هذه المجازر إلى ضرب من الاستمتاع غير المستكره، ليس مرجعه إلى ما فطر عليه الإنسان من ميول سادية، لكنه يستمتع بما فيها من جمال الحق وروعة الإيمان، ويزيد في استمتاعه أغاني سوفوكلس العذاب ولغته السهلة، وذلك الترابط الوثيق بين أجزاء المأساة، والتوازن بين حوادثها، وإحكام المؤامرة، والقدرة البارعة في حل العقدة، ثم ذاك (التكتيك) المنتظم المتزن الذي كان يعرض به مآسيه. . . هذا إلى سرعة الأداء بإظهار أكثر من ممثلين مرة واحدة في المسرح

أما المعين الذي كان يستقي منه موضوعات دراماته فلم يكن يعدو الشعر الغنائي الشائع وشعر ملاحم العصريين ثم هذا البحر الزاخر من الأساطير التي حشدها أركتنوس ولسبوس وغيرهما من الشعراء الأسطوريين في منظوماتهم، وقل أن كان يعتمد سوفوكلس على هوميروس أو على أحد من شعراء الدرام من معاصريه

دريني خشبه

<<  <  ج:
ص:  >  >>