للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك من الموسيقيين ملحنون اجتماعيون يصفون بألحانهم بيئات الناس المختلفة وطوائفهم المتباينة، ومن الموسيقيين مزخرفون نقاشون يرصون الأنغام بعضها إلى بعض في أسلوب هندسي يلذ للأذن فيطرب النفس ولكنه لا يحمل إليها معنى من المعاني، وليس يشبه هؤلاء أحد في الأدباء إلا إذا كان هناك أدباء يرصون الألفاظ رصاً جميلاً لا يهمهم بعده ما يحملون هذه الألفاظ والجمل من المعاني والاهتزازات النفسية. . . وإنما لهؤلاء أشباه في الرسامين الذين ينظمون الخطوط مربعات ومخمسات ومسدسات ودوائر وقطاعات في نظام جميل ترتاح له العين ومن ورائها ترتاح النفس وإن لم يكن لرسومهم معنى. فأي واحد من هؤلاء أنت؟

- أنا لم أسمع بهذا من قبل. . . وأرجو أن توضحه لي بأمثلة

- لا بأس. هل سمعت في معهد الموسيقى بسيد درويش؟

- نعم وأحفظ له دور (أنا هويت)

- ولا شيء غير (أنا هويت). إنهم يخفون عنكم سيد درويش لأنهم لو أظهروكم عليه لنفرتم منهم. . . ولكني لا أظن ذلك أيضاً. . . فأغلب الظن أنهم لا يعرفونه. . . كما أنك لا تعرفه إلا كما قد تعرف محمد عثمان. فأدوار سيد درويش على ما تحررت من قيود الصناعة فإنها لا تزال مقيدة بنهج (الدور)؛ فإذا أردت أن تعرف ذلك الرجل الذي هو المثل الكامل للموسيقي المصري فعليك أن تسمع مسرحياته. ففي هذه المسرحيات ترى أغلب هذه الألوان الموسيقية التي حدثتك عنها، ففيها ألحان عرض فيها سيد درويش العواطف والنزعات النفسية المختلفة فكانت هذه العواطف موضوعات ألحانه؛ وفيها ألحان كانت موضوعاتها الطبيعية الجامدة فصور فيها الرياض والجنان، والصحاري والبحار؛ وفيها أيضاً ألحان كانت موضوعاتها البيئات الاجتماعية المختلفة للمصريين وغير المصريين. وأما زخارفه الموسيقية فتلمسها في موشحاته وأدواره على الرغم من أنه لم يستطع أن يكبت إذ صاغها روحه فخرج بها عن تقاليدها القديمة ونفث فيها من الحياة ما قربها من الموسيقى التمثيلية وإن استبقى لها اتجاهها الزخرفي الهندسي. وذلك لأنه كان موسيقياً له وراء الأذن الحساسة المرهفة نفسٌ حساسة مرهفة، وعقل ذكي حاد

- إذن فما الذي تريدني أن اصنعه حتى أكون موسيقياً خالقاً ما دمت أشعر في نفسي الميل

<<  <  ج:
ص:  >  >>