فإن يكن الأدب صورة للبيئة والحادثان، وترجماناً لحالات الأمة ومشاعر الإنسان فتغير هذه الأمور يغير الأدب. فإن كان التغير ارتقاء إلى الأحسن والأعلى مثل الأدب هذا الارتقاء، وإن كان ارتكساً في القبيح والأدنى صوّر الأدب هذا الارتكاس. فالأمم تختلف آدابها باختلاف بيئاتها وأحوالها، والأمة الواحدة تتغير آدابها بتغير عصورها وأطوارها، والأفراد في الأمة الواحدة تختلف آدابهم باختلاف فطرهم ومشاهدهم، وافتراق حظوظهم من العيش، وأنصبائهم منن المعرفة. وهلّم جرّا
المؤثرات في الأدب
فالمؤثرات التي تغير الأدب متشابكة، ظاهرة وخفية يعسر إحصاؤها والإحاطة بها، ولكن يمكن تعداد أصولها فيما يأتي:
(أ) البيئة الطبيعية:
إذا تغيرت بيئة الإنسان تغير أدبه ارتقاء أو انحطاطاً، أو رقياً في ناحية ونزولاً في أخرى. والتغير هنا له سببان: الأول اختلاف المرائي والموضوعات بين البيئة الحديثة والبيئة القديمة، والثاني تغير الإنسان نفسه بتأثير البيئة وذلك لا محالة يظهر في أدبه
فالعرب حينما هجروا مواطنهم في الجزيرة إلى العراق وفارس والشام ومصر والمغرب والأندلس تغير أدبهم تغيراً واضحاً: ضعف إحساس البداوة القوي الذي يظهر في وصف الصحراء والإبل والخيل وُحمرُ الوحش والظباء والنعام، وفي وصف السفر والكد والحروب - واستبدلوا به رفاهية الحضارة ورقة شعورها. فنشأ الشعراء الذين عرفوا في الأقطار الإسلامية بعد أن اطمأنت الأجيال العربية إلى البيئات التي طرأت عليها
(ب) واختلاف أحوال الحضارة ومنها:
١ - الحال العقلية: فشيوع العلم والفلسفة واتساع المعارف يجعل الأدب أعمق. وأشمل لحقائق العالم ودقائق الطبيعة والحياة.
فشعراء الدولة العباسية وشعراء الأندلس (مثلاً) أبعد غورا وأوسع مجالاً في تفكيرهم، وتصويرهم من شعراء الجاهلية، وصدر الإسلام.
وتأثير المعارف في الأدب يظهر في النثر أكثر من الشعر. لأن النثر أولى بمباحث الفكر،