للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدعوة إلى حكومة يديرها فرد عادل يمت إلى الأمة بنسب قوي، بنسب الدم والدين حتى يجمع شتاتها، ويوحد كلمتها، ويوجه أحزابها المختلفة إلى غاية واحدة (الصالح العام) وجهر بها في باريس على منبر (العروة الوثقى) في سنة ١٨٨٤ وأيد حكومة هذا الفرد العادل في كل تدبير تتخذه للوصول لهذا الغرض حتى استعمال العنف والشدة ولكن بعد التبليغ والإرشاد

جمال الدين لم يشجع استمرار حكم الفرد العادل، وإنما جعل ذلك لأجل معين، وهو الوقت الذي تنضج فيه الأمة وتعتقد بمبدأ (الصالح العام).

وربما يبدو في عصرنا الحاضر - أن رأينا أن هذه الدوافع التي حملت جمال الدين على النداء بهذا المبدأ ما زالت باقية - أن هذا الذي ذهب إليه فيلسوف الشرق من سيطرة حكومة الفرد العادل ردحاً من الزمن لا يتفق ومبادئ الديمقراطية التي سعت إليها الشعوب منذ القدم ووصلت إليها بدم الثورة الفرنسية وأصبحت أساس الحكومة الراقية، أساس الحكومة العادلة

ولكن ما هي تلك المبادئ؟ حكومة برلمانية وضمان حرية الفرد. هاتان الظاهرتان هما عنوان الديمقراطية ولا يتحقق وجودهما في ظل حكومة الفرد العادل. هكذا يزعم من يدعي أن جمال الدين الأفغاني لم يقدر حقوق الإنسان الطبيعية تقديراً دقيقاً يوم نادى بهذا المبدأ

ولكن أحقّاً أن الحكومة البرلمانية تمثل الديمقراطية؟ وأن حرية الفرد مكفولة فقط في ظل النظام البرلماني؟. لنتبين ذلك! إن أساس النظام البرلماني هو المبدأ الحزبي، وعلى الدعاية الحزبية وما تتضمنه من الوعود للطبقة الشعبية يكون نجاح الحزب ودرجة تمثيله داخل البرلمان. ثم صاحب الأغلبية لأنه مظنة العدالة طبقاً لكثرة الأصوات التي أخذها وهو الذي يتولى رياسة القوة التنفيذية. هل لنا أن نتأكد الآن أن صاحب الأغلبية يبني تصريف أمور الدولة على أساس مشورة كل أتباع كل حزبه واحترام رأي كل منهم في تقرير مصير الأمور؟ وهل نضمن أن كل نائب من نواب حزب الأغلبية يصدر في مشورته هذه عن رعاية المصلحة العامة دون تدخل العاطفة الحزبية أو ما يؤمله من قضاء مصالحه الخاصة على أساس طاعته لقيادة الحزب طاعة عمياء؟ وإذا افترضنا ذلك فهل نتأكد أيضاً أن الدعاية الحزبية التي أتت بالأغلبية قد أتت كذلك بصالح عادل، وهو زعيمها، يسير في

<<  <  ج:
ص:  >  >>