ولعلك إذا نظرت إلى هذه الأشرطة التي تطبع عليها كهرباء القلب صورة خفقانه يدهشك منها ما تمثله لديك من أبحر الشعر في أنواعها، فمن القلوب ما تبسط على الرسم البحر (الطويل) في هدأتها، ومنها ما تصور البحر (المتدارك) في ثورتها، ومنها ما حلا لها كبعض أدباء هذا الزمان أن تمسخ نظمها نثراً فتراها تأتيك بالطويل والقصير والرجز والمتدارك متداخلة متركبة، ومثل هذه القلوب قد استنفدت كهرباءها وآذن اختلالها بقرب انصداعها
من غرائب التقليد في هذا الزمان أن يترجم لنا بعض أدبائنا قصائد أو مقطوعات من منظوم الفرنجة فيأتوا به صورة طبق الأصل في ترتيب السطور؛ فهم يصلون الجملة حيث يجب قطعها، ويقطعونها حيث يجب وصلها، جرياً مع الناظم الذي حكم الوزن والقافية على ترتيبه، وهم لا يفطنون إلى أنهم مطلقون في ترجمتهم من كل وزن وقافية
ما وقع نظري مرة على هذه المنظومات المترجمة وقد كتبت بشكل قصيدة وليس فيها من إلزامات القصائد شيء إلا وحسبتني أرى سابحاً يخرج من البحر ويستمر على دفع الهواء بيديه كأنه لا يزال يسبح على اليابسة ويخشى الغرق ورجلاه ثابتتان عليها. . .
وأغرب من هذا، بل وأنكى، أن تقرأ لبعض المجددين. . . شعراً منثوراً. . . تتوالى سطوره وفي كل سطر أربع إلى سبع كلمات نضدت على سلك لا وجود له إلا مخيلة الكاتب؛ فهو مضطر ولا أدري لماذا، أن يقطع جملته إذا بلغت الخمس أو السبع ليستطرد الكتابة في السطر الثاني، وليس بوسعه أيضاً أن يقف بجملته حتى يتم معناها إذا كان لم يزل لديه متسع من المقياس الذي انطبع في ذهنه من تلاوته قصيدة ترجمت على هذا الشكل عن أحد كبار الشعراء