يروه عالماً؛ وهو القرد الذي ما يكاد يرى أنثى حتى يسيل لعابه وتهيج فيه أحط الغرائز فيرسلها ثائرة ويطلقها جامحة لا يكبحها ولا يلوى عنانها؛ وهو السكير الذي لا تكف أمعاؤه عن الصراخ في طلب الخمر والذي لا يستقر رأسه بين كتفيه على حال من أثر الشرب، وهو الدجال في مسوح القديس؛ وهو آخر الأمر الخائن الذي يبيع وطنه وأهله وذويه بالثمن البخس، فهو إذن الرجل أو الكوم من اللحم الذي لا إنسانية له ولا كرامة ولا عفة ولا شرف ولا قومية ولا دين!. . .
هذا بينما هاري بور في تصوير راسبوتين إلى اتجاه آخر، فقد أخذ على عاتقه ألا يسترسل في نقد راسبوتين هذه الاسترسال الذي يهدم إنسانيته هدماً، فاستبقى هاري بور لصاحبه من شره ما لم يستطيع أن ينكره لإجماع المصادر التاريخية عليه فأظهره سكيراً محباً للنساء، ولكنه عدل بعد ذلك عن تلوينه بألوان الدجل والخيانة فأظهره صريحاً صادقاً يقول للناس إنه يعالج مريضاته المختبلات من الإناث بعلاج طبيعي هو عند الرجال جميعاً ولكن الناس لا يرضون أن يصدقوا هذا ويأبون إلا أن يسبلوا عليه مسوح القديس صاحب المعجزات فلا يملك إلا أن يسخر منهم وأن يتأنق في المسوح، كما أظهره أيضاً مخلصاً لقيصره ووطنه إذ يلح بالنصيحة على القيصر ألا يزج بالروسيا في الحرب لعلمه بعجزها عن المضي فيها
وهكذا اختلفت صورتا (راسبوتين) اللتان عرضهما جون باريمور وهاري بور، وهذا الاختلاف يرجع إلى اختلاف دراسة كل منهما لراسبوتين، والى مطاوعة كل منهما لمؤلفه. . .
وأخيراً، فقد يعهد إلى الممثل بتمثيل دور عادي طبيعي لا شذوذ فيه ولا أصل له متميزاً في الطبيعة. عندئذ يستطيع الممثل أن يسترجع نفسه هو، ولا بد له إذن أن يكون قد راقب روحه ورأى كيف تستقبل الحوادث والمفاجآت والمؤثرات وعليه في مثل هذه الأدوار أن يمثل نفسه في رداء الدور