للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن مقاييس هؤلاء الرجال ومقاييس الأدب نقيضان أو مفترقان لا يلتقيان على قياس واحد

فمقاييس الدولة هي مقاييس القيم الشائعة التي تتكرر وتطرد وتجري على وتيرة واحدة

ومقاييس الأدب هي مقاييس القيم الخاصة التي تختلف وتتحدد وتسبق الأيام

مقاييس الدولة هي عنوان الحاضر المصطلح عليه

ومقاييس الأدب هي عنوان الحرية التي لا تتقيد باصطلاح مرسوم، وقد تنزع إلى اصطلاح جديد ينزل مع الزمن في منزله الاصطلاح القديم

مقاييس الدولة هي مقاييس العرف المطروق، ومقاييس الأدب هي مقاييس الابتكار المخلوق

مقاييس الدولة هي مقاييس الأشياء التي تنشئها الدولة أو تدبرها الدولة أو ترفعها الدولة تارة وتنزل بها تارة أخرى

ومقاييس الأدب هي مقاييس الأشياء التي لا سلطان عليها للدول مجتمعات ولا متفرقات. فلو اتفقت دول الأرض جميعاً لما استطاعت أن ترتفع بالأديب فوق مقامه أو تهبط به دون مقامه، ولا استطاعت أن تغير القيمة في سطر واحد مما يكتب، ولا في خاطرة واحدة من الخواطر التي توحي إليه تلك الكتابة

ومن هنا كان ذلك العداء الخفي بين معظم رجال الدولة ومعظم رجال الأدب في الزمن الحديث على التخصيص

لأن رجال الدول يحبون أن يشعروا بسلطانهم على الناس ويريدون أن يقبضوا بأيديهم على كل زمان، فإذا بالأدب وله حكم غير حكمهم، ومقياس غير مقياسهم، وميدان غير ميدانهم، وإذا بالعصر الحديث يفتح للأدباء باباً غير أبوابهم، وقبلة غير قبلتهم التي توجه إليها الأدباء فيما غبر من العصور

ولو بلغنا إلى اليوم الذي تعترف فيه الدولة بالأدباء لما اعترف بأفضلهم ولا بأقدرهم ولا بأصحاب المزية منهم، ولكنها تعترف بمن يخضعون لها ويرضون كبرياءها ويهبطون أو يصعدون بغضبها أو رضاها

ولسنا في مصر بدعاً بين دول المغرب والمشرق، فما من دولة في العالم تعترف بأمثال برناردشو وبرتراندرسل ورومان رولان كما تعترف بالحثالة من أواسط الكتاب

هذا عن الأديب وشأنه المعترف به بين رجال الدول، فماذا عن التفرق والتجمع، أو عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>