يشدو فيعصر في اللحون فؤادَه ... كيما يؤوبَ ببسمة استهزاء!. . .
قالوا: سكتّ عن الغناء؟ فقلت: بل ... عن أّن أُريقَ على الجحودِ وفائي!
أمّا الغنِاءُ فقد جرت نَغَماتُهُ ... مَجرى دمي الدَفّاق في أعضائي
حَسبي من الألحان قلبٌ لم يذقْ ... بين الأضالع هَدْأَةَ الإِغفاء
غَرِدٌ كما هَبّ النّسيم وتارةً ... كالزّعْزَعِ المجنونةِ الهَوْجاء
رَحْبٌ تَموجُ به اللُّحون كأنها ... من كلّ أرضٍ جُمَّعتْ وسماء
أبداً ترفُّ به ملائكةُ الهوى ... هذا بمزمار وذاك بناءُ
ومواكبُ الجِنّانِ تعصف وسْطه ... وتضجُّ تحتَ الرّايةِ الحمراء
ما ضرّني إن كنتُ عِنْدِي شاعراً ... ألاّ يَعدّوني من الشّعراء
لا كان قلبي إن طلبتُ بذوبِهِِ ... من كفّ هذا الدهر بعضَ جَزاء!
لا كان شعري إن رفعتُ لواءه ... بين الأنامِ على رُفات إبائي!
يستعبدونيَ ويحهم! وأنا الذي ... حَطَمَ القيودَ تَمَّردي ومضائي
حلَّقتُ أرمقُ من بعيدٍ ساخراً ... ذلَّ العبيدِ الراسفينَ ورائي
هم يصنعون قيودَهم بأكّفهم ... وأنا أمدُّ لجانحيَّ جوائي
عشقوا القيودَ كأنما هي حليةٌ ... ذهبيةٌ في معْصَم الحسناءِ
واستعذبوا سوطَ القويّ يؤزُّهم ... في كلّ صبحِ ناعمٍ ومساءِ
فتمرَّغوا شَغَفاً على أقدامهِ ... كي لا يَضنَّ بهذه النَّعماء
لولا غرامُ القيد لم تكن الدُّنا ... هذه الُّسجونَ تضيقُ بالسجناء
لولا التَّلَذُّذُ بالأذى ما ألهبتْ ... تلك السياطُ نواصِيَ الضَّعفاء
يا من يريدُ تحرّراً من قِدِّه ... هلاً بدأتَ بنفسك الشّوهاء
هي بالقيودِ مؤودةٌ لكّنها ... ما إن تحسُّ لحرَّها بعَناء
إني نظرتُ إلى العَبيدِ فلم أجد ... رقّا كرقّ النّفس والآراءِ
فأشمخْ بأنفكَ رفعةً وتمرُّداً ... وذرِ النفاقَ ولا تَدِن بِرياء
وأتركْ لصيحاتِ الطبول فراغَها ... واسخر من العظَماء والكُبَرياء
فإذا قيودُكَ قد هوت من نفسها ... عن ساعِدَيْك هشيمةَ الأشلاءِ