للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من المسائل العلمية: وكثير من الكتاب في هذا الموضوع يبدأون بحثهم وفي نفوسهم رغبة في أن يثبتوا وجود هذه القارة المزعومة. كالقاضي الذي يبدأ تحقيق الحادث وفي قلبه رغبة في أن تثبت التهمة على المتهمين. وهذه الرغبة قد تصبغ الأدلة الضعيفة بصبغة قوية. وتحمل الباحث على التغاضي عن مواطن الضعف فيما يعرض له من الحجج.

الأمر الثاني الذي يجب أن نحذره، هو أن وجود مثل هذه القارة أمر مرغوب فيه جداً من الوجهة العلمية. . . لأنها تصبح مرجعا نرجع إليه في كثير من المسائل التي صعب علينا فهمها أو تعليلها. فإذا رأينا - مثلاً - في أوربا أو في أفريقية شعباً أو جماعة لا نعرف لها مصدراً، أمكننا أن نقول بكل بساطة إنها بقية من سكان القارة المفقودة - فالرغبة في التخلص من بعض المسائل العويصة قد تجعلنا في اشتياق لأن نسلم بوجود هذه القارة المزعومة وأن نقبل من أجل هذا كثيراً من الاقتراحات الواهية الضعيفة.

إن أول من ذكر قارة أطلنطس فيما بين أيدينا من الكتب هو أفلاطون. فقد حكى في كتابه (طيماوس) رواية عن أحد أجداده أن صولون حكيم اليونان الأشهر لما قدم إلى مصر، وتحدث إلى كاهن من كهنتها، أخبره هذا الكاهن أنه كان في المحيط الأطلسي إلى غرب عمودي الهرقل (بوغاز جبل طارق) جزيرة عظيمة تزيد في الحجم على ليبية (أفريقية) وآسيا الصغرى معاً. وأنها كانت عامرة يسكنها شعب قوي ذو بأس وصولة، استطاع أن يبسط سلطانه على جميع قارة أطلنطس وعلى ما جاورها من الأقطار في أفريقية وأوربا. وأن سلطان هؤلاء (الأطلنطيين) قد امتد حتى بلغ إلى مصر وبلاد اليونان. غير أن اليونان استطاعوا أن يردهم على أعقابهم.

وهذه القارة العظيمة كانت عرضة للزلازل العنيفة والبراكين الثائرة، فلم تلبث أن أخذتها الرجفة فهبطت تحت سطح الماء واختفت. وذلك قبل عهد صولون بنحو تسعة آلاف من السنين!

هذه هي القصة التي ذكرها أفلاطون نقلاً عن أحد أجداده. وليس هنالك ما يثبت أن هذه القصة قد رواها صولون حقيقة، وأنها ليست من اختراع أفلاطون نفسه. وعلى كل حال، وأياً كان مصدر هذه القصة، فان مجرد روايتها على هذه الصورة، لا يفيد الباحث عن أمر هذه القارة شيئاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>