واليابان لها نظام برلماني ولكنها ليست بالديمقراطية، لأن دستورها لم يؤسس على سلطان الأمة بل على سلطان الإمبراطور. وهو - أي الإمبراطور - يقبل باختياره أن يشرك معه الحكومة البرلمانية
ومن المحتمل جداً أن تتصور حكومة حرة تحترم حقوق الأفراد على أيدي قلة متسامحة، كما تتصور حكومة متعسفة تقيد الحريات جميعاً على أيدي كثرة تدين بعقائد الاستبداد
فالروح الموحية أهم وأقوم من نصوص الدساتير. وحيثما بطل اليقين بالإنسان والاعتداد بحقوق الأفراد لم يكن عجيباً أن يفضي بنا الانتخاب العام إلى الاستبداد؛ لأن المستبد والمشعوذ السياسي ليسا بالنقيضين، ولكنهما قرينان متماثلان)
وكل فصل من فصول الكتاب حافل بهذه الدقائق وهذه القضايا وهذه التعريفات
هنا ولا شك أناقة الياباني في التنسيق وخفة الياباني في الحركة
وهنا ولا شك نفاذ اليوناني إلى بواطن المعاني الفلسفية والحدود المنطقية
وهنا ولا شك جنوح الفلمنكي إلى صبغ الحقائق بصبغة العبادة والأسرار
وهنا ولا شك طلاقة البوهيمي، وكياسة الرجل البلاطي، وثقافة الإنسان الحديث
انك لا تشك في خصلة من هذه الخصال كما لا تشك في اختلاف المنهج والأداء لو كان الكاتب يابانياً أو يونانياً أو فلمنكياً أو بوهيمياً غير مختلط بما عدا سلالته وثقافته من السلالات والثقافات
ولكن أين هذا وأين ذاك؟
أين يبتدئ هذا التفكير وأين ينتهي ذلك التفكير؟
وما وسيلتك إلى منع عنصر من تلك العناصر أن يظهر في منهج الكتاب وأدائه أن كانت بك حاجة إلى إمتاعه؟
وما وسيلتك إلى زيادة عنصر من تلك العناصر أن كانت بك حاجة إلى ازدياده؟
لقد شغلني التوجه إلى هذا المعنى أثناء القراءة حتى خيل إليَّ أنني في معمل من معامل الطبيعة أرقب فيه براعتها في الخلط والمزج والجمع والتفريق
أو خيل إلي أنني أمام مسرح التاريخ الكبير يتناول اللاعب القدير على خشباته نسيج الأحقاب والأعقاب منذ ألوف السنين فيداخل بينها ويواشج بين خيوطها على نمط من