(ان طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه؛ لأن الترسل هو ما وضح معناه وأعطاك سماعُه في أول وهلة ما تضمنته ألفاظه، وأفخم الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة) ثم علل الصابي قوله هذا بفسحة النثر وضيق النظم
وكلام الصابي ليس صحيحاً على هذه الصورة لأن الغموض لا يحسن في النثر ولا في الشعر وكأنه أراد أن يقول: أن الشعر أقرب إلى الإجمال في بيانه. وقيوده تحول دون الإيضاح الذي يملكه الناثر.
فطبيعة النظم تبيح للشاعر شيئاً من الغموض والتقديم والتأخير لا يباح في النثر، ولكن الغموض ليس مستحسناً في منظوم ولا منثور
وقال ابن خلدون في الفرق بين الشعر والنثر:
واعل أن لكل واحد من هذه الفنون أساليب تختص به عند أهله ولا تصلح للفن الآخر ولا تستعمل فيه مثل النسيب المختص بالشعر، والحمد المختص بالخطابة، والدعاء المختص بالخطابات وأمثال ذلك
وقد استعمل المتأخرون أساليب الشعر وموازينه في المنثور من كثرة الأسجاع والتزام القافية وتقديم النسيب بين يدي الأغراض، وصار هذا المنثور إذا تأملته من باب الشعر وفنه ولم يفترقا إلا في الوزن)