للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يا بني قومنا: إن للأمم في معترك الحياة نعمى وبؤسا وفرحاً وترحاً ورخاء وشدة. والزمان قُلَّب تدور غِيره بالخير والشر. والأمم العظيمة الحازمة تأخذ عدتها من مسراتها وأحزانها، ولا تفيت فرصة من لذة أو ألم وفرح أو غم، ولا تمر بحادثة إلا تدبرت في أمرها وأخذت لحاضرها وتزودت لمستقبلها وتأهبت لأحداث الزمان وتقلب الحدثان. بل الأمم في أحزانها أقرب إلى الوقار والجد وأدنى إلى التآخي والإيثار والتفدية، وأجدر بإدراك الحقائق والاعتبار بالوقائع وجمع الكلمة وإرهاف العزيمة، فإن الأحزان تجلو النفوس وتنبهها من الغفلة، وترهق الأكباد، وتذهب بالأحقاد.

يا بني أبينا وأمنا: كانت وفاة الغازي رحمه الله عليه قدراً لا حيلة فيه ورزءاً لا قدرة عليه، ولو كانت نائبة تجدي فيها النجدة وتُغني الهمة وتنفع الشجاعة والتفدية لوجد أبو فيصل منا جميعاً نفوساً تفدّيه، وقلوباً تستميت دونه، وعزائم تردّ الخطب صاغراً، وجلاداً يرجع الموت خزيان ناظراً، ولكنه قدر من وراء الأسماع والأبصار والجنود والأنصار.

فلتفزع الأمة العربية إلى عقلها وخلقها وإبائها وصبرها وثباتها وجلدها، ولتنظر إلى تاريخها تستمد منه الصبر على المصيبة، والاستكبار على الجزع، والإباء على كل خطب، والثبات لكل هول.

ليكن من اجتماعنا على مصيبة الغازي اجتماع كلمتنا واستحكام أخوتنا. لتكن من هذه المصيبة الجامعة أُخوة جامعة وكلمة جامعة.

أيها الإخوان: مضى فيصل الأول بعد أن أدى أمانته، ولحق به غازي وهو يسير للمجد سيرته، وقد أورث الله فيصلاً الثاني جهاد جده وطموح أبيه؛ وإن لنا فيه لعزاء، وإن لنا فيه لخلفاً. فلتحطه النفوس ولترعه الافئدة، ولتجتمع حوله الأفكار والآمال، والعزائم والأعمال، وكل ما في العراق وما في العرب من ود ووفاء وإخلاص وبر وكرم، حتى يترعرع ملكاً كريماً في رعاية الله وحضانة أمته ووفائها وإخلاصها، ترجو فيه العراق والعرب جميعاً كوكباً تأوي إليه كواكبه، وسيداً فؤولاً فعولاً لما سن السادة الكرام من آبائه.

وإن في حكمة أهل العراق ووفائهم، وإن في هممهم وعزائمهم لضماناً للمستقبل الوضاء والمجد الباسم بعد هذه الخطوب المكفهرة والوقائع العابسة.

بني قومنا تقسو الخطوب وتربدُّ ... ويُشرق في أعقابها الصبر والمجد

<<  <  ج:
ص:  >  >>