للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التأليف وطريقة التفتيش واختيار المدرس) وتطهير التعليم (من المفتش الذي يعاقب على نسيان الهمزة وذكر الغزل، والمؤلف الذي يؤلف بسر الجاه ونباهة الاسم). ثم إنه لابد بعد ذلك من تصحيح مقاييس الناس وإفهامهم أن قيمة الأديب بإنتاجه ومواهبه، لا بوظيفته ومرتبه، وأن الأدب لا يقاس بهذه المقاييس الجامدة، ولا بد من التفريق بين شخصية المفتش والوزير الرسمية، وبين شخصيته الأدبية؛ فأنا أرعى للوزير حق مكانته، وأعطيه كل ما ينص القانون على أنه حق له من الطاعة والاحترام. أما الوزير الاديب، والمفتش الشاعر، فإنهما عاطلان من هذه الحصانة، معرضان للنقد، أستطيع أن أدرس أدبهما وشعرهما كما أدرس أدب أي أديب وشعر أي شاعر، وأستطيع أن أحكم لهما أو عليهما، ولا يدخل في حساب النقد وظيفة عالية ولا مرتب ضخم. وإذا اقترح الوزير اقتراحاً في تعديل خطط التعليم، أو رأى رأياً يتبعه أذى للأدب أو خوف على مستقبله، فإنني أستطيع أن أناقشه وأرد عليه. وبغير ذلك لا تنمو المواهب ولا تثمر ثمرها، ولا يزدهر الأدب ولا يعطى أكله. بقي أمر واحد وهو حماية هذا الموظف الأديب الذي يتقد ويبحث، ويقوم بحق الأدب من غير أن يقعد عن حق الوظيفة، حمايته من انتقام الرئيس، وتشفي المفتش، ولا يكون ذلك إلا بقانون ينظم علاقة الرئيس بالمرءوس، ويوضح لكل منهما ما له (بالضبط) وما عليه، أما إذا بقى أمر المدرس بيد المفتش والرئيس، وترفيعه وتنزيله تابع لرأيهما و (تقريرهما)، فلا حرية في البحث، ولا ازدهار في الأدب، ولا استثمار للمواهب، لأن المدرس لا يستطيع أن يضحي بوظيفة وهي سبيل حياته ومورد رزقه من أجل بحث أو فص أدبي، فيسكت على مضض، ويتوالى سكوته، فتموت قريحته، وتذهب ملكته، ولا يبقى فيه بقية لإنتاج. وإذا ذكرنا أن وضعنا الاجتماعي الشاذ ساق أكثر الشباب طوعاً أو كرهاً إلى وظائف الحكومة قدرنا مبلغ الخسارة الأدبية التي يُمنى بها الأدب، ويبلغ الأذى الذي يصيبه به (الأدباء الرسميون) الذين يعملون عمداً وبغير قصد على تقييد حرية الأدباء، وقتل المواهب، وسد الطريق على الناشئين المتأدبين. . .

هذا وإن الأديب لا ينتج ولا يعمل إلا معتداً بنفسه واثقاً بها، وهذه العزة وهذه الكبرياء الأدبية هما عدة الأديب، فإذا خسرهما لم يصلح بعدهما لشيء. ومن نظر في حياة الموظف الصغير نظر مدقق ناقد، رأى أنه لا يستطيع أن يجمع بين إرضاء رؤسائه وبين الشعور

<<  <  ج:
ص:  >  >>