للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في صنوفه المتباينة التي ذكرت، على ثقافة مرتجلة أو هزيلة لافتقارها إلى الغداء السليم. هذا ولا أتحدث عن الأمية التي ما برحت متفشية بيننا، ولا عن التعليم البسيط الذي لا يتجاوز مدى الكتابة والقراءة، وهو حظ الأكثرية الغالبة من جمهور القراء، أو المتأدبين، إذا صح أن نطلق عليهم هذا الاسم باعتبار أنهم قراء أوفياء للمجلات الهزلية وروايات الجيب وما شاكلها

بعد هذا يصح أن نقول إن الأدب في مصر لم يصبح بعد لدى أكثرية الجمهور غذاء لابد منه وحاجه لا غنى عنها، وإنما هو لدى البعض زخرف وزينة، ولدى البعض الآخر ضرب من ضروب التسلية التي لا يستطاب الإقبال عليها في كل وقت

وما دام الأمر كذلك فقد قدر علينا أن نرى محنة الأدب قائمة بيننا تغير وجوهاً ولا تتغير، تخف وطأتها بمقدار نصيبنا من انتشار التعليم ورفعة المستوى الثقافي العام. وملاك الأمر في هذا راجع إلى جهودنا وإلى شرعة التطور والارتقاء، التي هي كلمة الزمان وإرادته.

وإذا كان الصديقان الكبيران توفيق وبشر لا يريان ما أذهب إليه أو يريانه بعين الواعية الباطنة ثم هما لا يجرؤان على الإفاضة فيه والتنبيه إليه التنبيه الواجب، بل يعرضان له لمحاً ويعبران به عبراً، فذلك لأن الصديقين أديبان أصيلان مشبوبان، أخذت هوية الأدب بشغاف قلبيهما، فهما يحذران لمس العلة الكبرى التي يشكو الأدب منها في مصر أكثر من أي شيء آخر، وإذا هما لمساها بإيحاء خاطر يطلع عليهما من وراء الوعي، فإنهما لا يطيقان التمعن فيها، وسرعان ما يفزعان إلى أشياء أخرى يتعللان بها ويموهان بها على نفسيهما

كذلك كان شأني إذ كِنت أعمل في المسرح المصري راكباً رأسي شاحذاً عزمي، لا همَّ لي إلا أن أفرض فن التمثيل على الجمهور، فقد كنت أعتقد أن أسباب كساد فن التمثيل ترجع إلى افتقار المسرح المصري إلى الممثل القادر والمخرج الحاذق والمؤلف النابه

كنت أعتقد هذا وأرفع صوتي به وأعمل على تلاقي هذه الأسباب. ولكن كان يقع لي أحياناً أن يهجس بي هاجس خفيت الصوت نافذة يهمس في أعماق نفسي أن العلة الأولى والأخيرة في كساد المسرح إنما هو الجمهور. . .

ماذا كنت أعمل؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>