للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قلب مجتمعهم إنما مرجعه إلى أن أكثرية هؤلاء الأدباء ليسوا على حس مرهف تنطبع عليه كل التيارات التي تنبعث من واعية المجتمع ومن وراء واعيته، وإن هذه الأكثرية تعيش بعين الماضي لا بعين الحاضر، أو أنها لا تحيا إلا في أجواء الكتب التي نطالعها أو أنها تعبث لاهية مزهوة بالآراء الواردة علينا من أوربا مع واردات الأزياء وأخبار نجوم السينما.

والأديب إذا لم يكن على هذا الحس المرهف لم يستطع أن يلتقط الهمسات التائهة التي ترتفع من وراء واعية مجتمعة، هذه الهمسات التي هي رغبات مكبوتة، وآمال مقنعة منشودة لا تقوى الجماهير على المصارحة بها، وتترك أمر الإبانة عنها وترديدها في جلجلة الرعد القاصف إلى قلم الأديب.

أوجب واجبات الأديب نحو نفسه ونحو قومه ونحو فنه أن يستخرج هذه الهمسات من الضوضاء التي تحيطها، وأن يستلها من معاقلها ليحولها إلى ليحولها إلى صيحات صريحة تدوي في الفضاء. فإذا لم يفعل ذلك فقد قضى على نتاجه بالعزلة عن الناس، وقطع ما بينه وبين الينبوع الذي منه يخرج ما يثير اهتمام الناس ويهز الركود الذي يرين على الأدب. إذا لم يفعل ذلك قضى على نفسه أن يعيش على هامش الحياة، في حين أن الجمهور يعيش في صميم الحياة، كما يقضي على أدبه ألا يتجاوز أمر المرآة التي لا ينطبع عليها من آثار الأرض سوى أعالي الشجر ورؤوس التلال

هذا هو الحال الأدباء في مصر وهذا هو موقفهم من محنة الأدب، وإن كان من بينهم من سبقوا عصرهم وأدوا شيئاً من رسالة الأدب الحقة

أما حال الناقد، وهو العنصر الثالث الذي يقوم عليه الأدب، فلا أجد ما أصفه به أبلغ مما جاء في مقال الدكتور بشر فارس: (فإنه في غالب الأمر وأكثر الحال ينوه بصديق، أو يقع عدو، أو يهمل كتاباً جهلاً بفنه أو إنكاراً لنفاسته أو اتقاء لصاحبه أو تسامياً، أما التسامي فيدل على ذهاب بعضهم بأنفسهم على كل أحد وذلك من باب الغرور، وقصة الغرور معروفة. . .)

وإذا كان هذا هو شأن الناقد أيضاً، والناقد الحق هو بوق الكاتب المنشئ، ومذيع أعماله، ومقيم الميزان الذي لا يحيف ولا يخطئ لنتاج الأقلام، بل هو الحركة الدائبة التي تدفع

<<  <  ج:
ص:  >  >>