الذي تجلى في معظم كوميدياته؟ لقد تناولنا في الفصل السابق بعض الإجابة عن هذا وذاك، ونحن نضع بين يدي القارئ في هذا الفصل خلاصة لكوميدية أرستوفان المضحكة (الفرسان التي تقدم بها للمباراة سنة ٤٢٤ ونال بها الجائزة الأولى من الهيئة الرسمية التي كانت تهيمن عليها حكومة كليون وقواد الجيش والشعب من أمثال نسياس وديموستين الخطيب المفوه العظيم
لم يبال أرستوفان أن يسخر بأبرز شخصيات الحكم في أثينا في ملهاته هذه، فصورهم تصويراً كاريكاتورياً مضحكا، مستعيناً في ذلك بميولهم الخاصة ووقائع حياتهم اليومية. ولعله أول رجل في التاريخ عمد إلى اختراع الشخصية الفكهة التي تمثل دولة بأكملها. فنحن نعرف أن شخصية جون بول تمثل في العصر الحديث دولة بريطانيا العظمى، كما تمثل شخصية العم سام الممالك المتحدة الأمريكية، وكما تمثل شخصية (المصري أفندي!) مصر الحديثة. وقد سبقنا أرستوفان إلى خلق هذه الشخصية المضحكة المحببة فابتكر لكوميديته شخصية (ديموس) ذلك الرجل الكهل الأناني الطاغية فجعله رمزاً لأثينا الهرمة المضطربة، للأثينيين الديمقراطيين الذين ذهبت دولتهم وشاع في أخلاقهم، واضطرب حبل حكومتهم، وذلك لما نشره فيهم السوفسطائيون وعلى رأسهم سقراط من فلسفة، وما بثه فيهم يوريبيدز من جرأة واستهتار بالتقاليد، وما أفسده به المرأة من تمثيل الغراميات المحرمة أمامها في المسرح، ولما صنع بهم الإفراط في الديمقراطية بعد بركليس من استباحة الحرمات وضياع القيَم وجرأة الأوشاب على السراة وأهل الرأي باسم الحرية وفقدان الحدود بين الطبقات
ثم سلط أرستوفان على ديموس هذا رجلاً مخاتلاً خداعاً هو زعيم الرعاع في أثينا (الديما جوج كليون) الدبّاغ (!!) وبائع جلود الحيوانات القذر (!) فجعل إرادة ديموس تتلاشى في إرادته، وجعله لا يبرم صغيرة ولا كبيرة إلا بإذنه، ولا يحكم على أحد بخير أو شر إلا إذا حكم عليه كليون بالخير أو الشر، فكان إلى جنبه إّمعة لا قيمة له ولا رجاء فيه، يُوَجهه حيث يشاء، ويسخّره لما يريد. . . وسماه كليون (ألبافلاجوني) أي التفتاف الذي يرسل الزبد في وجوه محدثيه حينما يكلمهم! ثم نعته بالعجرفة والصلف والقحة إذا كان أمام معارضيه، وبالتذلل والضراعة ولبس مسوح الرهبان إذا كان تلقاء مولاه؛ وجعل زملاءه