فإذا لقيت شخصه، ألفيت أمامك شاباً أنيقاً يحسن كيف يلائم بين لون رباط الرقبة والقميص والحُلَّة، ليخرج منها صورة فنية طريفة. . .
ولصديق بشر شخصيتان: شخصية الأديب، وشخصية العالم، تتنازعانه على الدوام. . . ولا ندري آيتهما يقدر لها الفوز على الأخرى؟ فقد أصدر في العام الماضي مسرحيَّته الرمزية:(مفرق الطريق)، فتلألأت نجماً جديداً في سماء الأدب الرفيع.
وظهر له منذ أيام كتابه:(مباحث عربية)، فإذا هو سفر قد لا نغالي إذا قلنا إنه في طليعة الآثار العلميّة التي تمخض عنها العصر الحديث، من حيث دقة البحث، واستيعاب الموضوع، وحسن الصياغة، والبراعة في التنسيق والتنميق. كل ذلك على أحدث نهج علميّ خَطَّه علماء الاستشراق؟
ونحن اليوم نتتبع خطوات بشر فارس وهو يروح ويغدو، ينحت الصخر آناً في مفارز العلم، وينظم الزهر آناً في خمائل الأدب، ونتساءل في حيرة: إلى أي مدى يستطيع الصديق أن يحتفظ بشخصيتيه المستقلتين؟ وهل في الإمكان أن يجمع المرء بين الأدب والعلم، ولا يستشعر في دخيلة نفسه ذلك التنافر القائم بين هذين العنصرين النفيسين اللذين لا يهدأ لهما حال إلا إذا أخضع أحدهما زميله واستبعده؟!
وللدكتور بشر نواح خفية، لا يعرفها إلا أصدقاؤه الخلصاء. وإني لمذيع بعضها، وأمري إلى الله! فقد يحاسبني على إفشائها حساباً عسيراً!
إن صديقي بشراً - ولنخفض أصواتنا قليلاً - رجل ذوَّاقة في المآكل، واسع الاطلاع على ألوان الطعام، عظيم الخبرة في كل ما تزدان به الموائد. . . وإنها لمتعة حقاً حين تسمعه يحدثك عن صحاف الأطعمة المختلفة واحدة بعد أخرى؛ يروي لك - وعيناه تلمعان لمعان المرَق الشهي - كيف يشتري بنفسه الزبد الطازج، وينتقي عند الجزار أطايب اللحم؛ وكيف يقف أمام الفرن يجهز الصنف الذي يحب، ثم لا يلبث أن يأتي عليه ولَما يتمّ نضجه على النار، مقتفياً أثر المثل الصالح: خير البر عاجله!
ولصديقنا بشر جولات موفقة في مطاعم المدينة، فهو إذا دخل أحدهما لا يطلب القائمة، ولا يُعنَى بمكانة من المائدة؛ بل يطلب أن يدلوه فوراً على المطبخ. . . وثم يكشف عن القدور يتفحصها تفحص عارف، ثم يشير أخيراً إلى واحدة منها، فيحضرونها له بأكملها. . .