زارني الشيخ عبده وأقام عندي فترة طويلة، ودعني فيها بمناسبة أوبتي إلى إنجلترا. والواقع أنني أغادر هذا البلد الطيب وأنا مريض، وقد مللت الحياة، وكنت على وشك أن أعتنق الإسلام، ولكنني أنظر إلى الإسلام بنفس العين التي أنظر بها إلى المسيحية.
٥ ديسمبر ١٨٩٩
ليس بين جميع الشرقيين، بل بين جميع الرجال صديق أعظم لي من الشيخ عبده. وهاهو يعود بعد أن سجن لإرادته الحرة وأفكاره الجريئة؛ وبعد أن نفي عام ١٨٨٢ فيعترف لي بقضيته. والحق أنه أقدر رجال مصر وأشرفهم وأنبلهم، وهو يشتغل الآن منصب مفتى الديار المصرية. وقد أهديت إليه منذ سنوات قطعة من أرضي في عين شمس تبلغ مساحتها فداناً، فبنى عليه داراً قروية، وصار أقرب جار لنا.
يناير ١٩٠٠
تحادثنا ملياً عما فعله كتشنر برأس المهدي في السودان، واتفقنا على أن الله هو وحده المنتقم الجبار من هذه الأفعال الإجرامية التي سوف تصل بالإمبراطورية إلى الانهيار الذي وصلت إليه غيرها من الأمم
٢٨ يناير ١٩٠٠
كان حديثنا الليلة يتناول الإنسانية ومعاملة القوي للضعيف، فألفيته من المتشائمين مثلي. فقال: إنه كان يتلو التوراة من أيام فرأى أن الفظائع والوحشية التي جاءت على يد المسيحية جاءتها من صلتها باليهودية. وذكر أحاديث نبوية كثيرة عن معاملة الحيوان الأعجم بالرأفة والمحبة، وأن قتل العجماوات هو ضد عقيدة المسلم وشعوره، ولكنها ليست كذلك بالنسبة للمسيحية. وهو لا يؤمل خيراً في مستقبل البشرية. وإني لأخشى أن يكون ضعيف الإيمان بأثر الإسلام برغم أنه المفتى الأكبر، مثل ما عندي من ضعف الإيمان بأثر الكنيسة الكاثوليكية.
أكتوبر ١٩٠١
أثناء حديث الصباح جاء ذكر (عرابي) بمناسبة رجوعه من النفي إلى وطنه. فأخذه عليه