البلاد بموسى وهو على عقيدة التوحيد ولم يجد أمامه أحداً يثور به ويطاوعه في تأسيس دينه ودولته غير هؤلاء الغرباء من الإسرائيليين وهم مثله يشكون ويتململون، فوثبهم وهاجر بهم إلى الحدود المصرية في انتظار الفرصة السانحة أو في طلب الملك والعقيدة الصالحة بمعزل عن كهان الوثنيين
والذي يعزز هذا الاحتمال أن اللاويين من بني إسرائيل كانوا يتسمون بأسماء فرعونية لا علاقة لها باللغة العبرية، وما كان هؤلاء اللاويون إذن إلا حاشية الأمير وذوي قرباه، إذ كان من المستبعد جداً أن يهجر وطنه منفرداً بغير ولي ولا قريب
قلنا: بل هناك احتمال آخر كان أولى بفرويد أن يرجحه على ذلك الاحتمال
فلماذا لا يقول مثلاً إن موسى كان إسرائيلياً من أسرة الرؤساء في بني إسرائيل فرباه فرعون مصر على سنة الملوك في تربية أبناء الرؤساء الذين يدينون لهم بالطاعة ويعترفون لهم بالرعاية؟
أليس هذا الرأي أقرب إلى التوفيق بين النقيضين من عادات مصر وعادات إسرائيل؟ ألسنا قادرين بهذا الفرض أن نفهم اقتباس موسى للعادات التي درج عليها وغيَّرته على أبناء جنسه في آن؟
وقد عرض فرويد لنشوء التوحيد في مصر وهو أمر ثابت لا جدال فيه ولا اعتراض عليه
وقال فرويد: إن بوادر التوحيد ظهرت بين المصريين قبل ظهور أخناتون الذي أتم هذه العقيدة وأفرغها في قالبها المحفوظ
وعلة ذلك عند فرويد أن اتساع الإمبراطورية المصرية قد استدعى توحيد الإيمان بإله واحد كما استدعى توحيد الطاعة لملك واحد
فإن فرعون مصر ما كان ليطيق العبادات الكثيرة والأرباب المتعددة التي لا تجتمع إلى وحدة موصولة ولا تزال سبباً متجدداً من أسباب الفتنة والتفرق والعصيان، فجعل للإمبراطورية كلها داخلها وخارجها رباً واحداً تشترك فيه وتثوب إليه، وكان هذا مبعث التوحيد الأول على صورته الساذجة التي أصلحها أخناتون ثم تعاقب الرسل بإصلاحها بعد ذاك