فمن المديح نعرف كيف كان العرب يتمثلون المناقب، ومن الهجاء نعرف كيف كانوا يتصورون المثالب، ومن المحاسن والعيوب يعرف الباحث صور المجتمع في الحياة العربية والإسلامية
ولو ضاعت قصائد المديح والهجاء لضاع بضياعها أعظم ثروة يستعين بها علماء النفس لفهم تطورات الأفكار والأذواق فيما سلف من عهود التاريخ
فمؤرخ الأدب لا يؤذيه أن تكثر قصائد المدح والهجاء إلا حين يزهد في فهم المشارب والميول، وتعقب المنازع والأهواء، كأن يكون رجلاً يؤرخ الأدب وهو غير أديب
يضاف إلى ذلك أن المادحين والهاجين لم يكونوا جميعاً طلاب أرزاق، وإنما كان أكثرهم أصحاب مبادئ وعقائد، وكانوا يؤدون في خدمة الدولة ما تؤديه الصحافة في هذه الأيام، وهي تؤرخ الصراع بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين
وقصائد المديح والهجاء كان لها تأثير نافع في تقويم الأخلاق. ولو أن أحمد أمين كان من المطلعين لعرف أن تلك القصائد كان لها تأثير في أكثر ما غنم العرب من الحروب
لو كان أحمد أمين يدقق لعرف أن شيوع المديح والهجاء في البيئات العربية يدل على خلق عظيم من أخلاق العرب وهو (النخوة)، فالعربي يسره أن يُذكر بالجميل ويؤذيه أن يُذكر بالقبيح، ومن هنا كانت المدائح والأهاجي لا توجّه في الأغلب إلا إلى عظماء الرجال
وما رأي أحمد أمين في حسان بن ثابت؟
ما رأيه إذا حدثناه أن الرسول كان يرى المدح والهجاء باباً من أبواب الجهاد؟
ما رأيه إذا حدثناه أن الرسول كان يرى حسان بن ثابت جنديًاً نافعاً لأنه كان يخوّف خصوم النبوّة بأشعاره في الهجاء؟
أتكون أشعار حسان في الهجاء من أدب المعدة؟ قل بذلك يا أحمد أمين، إن استطعت، ولن تستطيع!
وما رأي أحمد أمين في مدائح الكميت وأهاجيه؟
ما رأيه في قصائد الفرزدق وقصائد دعبل في الثناء على أهل البيت؟
ما رأيه في الشعراء الذين أوقدوا نار الحرب بين بني أمية وبني العباس؟
ما رأيه في قصائد مسلم بن الوليد في الثناء على بعض الأبطال؟