للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أقول للأستاذ أحمد أمين: (أفادك الله!)

هل بلغت المدائح في مختارات البارودي ٢٤١٨٥ بيتاً؟

ذلك (إحصاء) أحمد أمين، ولا موجب لمراجعته لأنه من النوابغ في الإحصاء!

ولكن هل فكر هذا الرجل في (إحصاء) الأغراض المبثوثة في تلك المدائح؟ هل يضنها جميعاً من قبيل: (أنت شمسٌ أنت بدرٌ؟).

ألم يكن أكثرها تسجيلاً لوقائع حربية، ومواسم تشريف؟ هل خطر بباله أن (يُحصي) ما في تلك المدائح من الأوصاف والحِكم والأمثال؟

هل خطر بباله أن يلتفت إلى القصائد التي استوجبت عناية النحاة واللغويين فأمدت اللغة العربية بفيض من الحيوية لا ينضب ولا يغيض؟

أحمد أمين يرى أن محصول المدائح في العصر العباسي أكبر محصول، ويرى محصول الزهد أصغر محصول!

فهل استطاع هذا الرجل أن يستخلص العِبرة من الموازنة بين النسبتين؟

لو كان أحمد أمين يدقق لعرف أن طغيان المديح على الزهد كان من علائم الحيوية في العصر العباسي. فهو الشاهد على أن العرب كانت حياتهم تزدحم بالأخطار الدنيوية. وهو الشاهد على أنهم كانوا أهل نخوة وأريحية. وهو الدليل على أنهم كانوا يحيون حياة تفيض بمعاني الأفراح والأحزان، وتتسم بعلائم القوة والكفاح.

وما كانت الأهاجى أقل قيمة من المدائح في الدلالة على هذه الشؤون.

فالأهاجي كانت في الأغلب تمثل صوت المعارضة السياسية، وكان لها تأثير شديد في كبح الطغيان، وبفضل الأهاجي قلّمت أظفار الاستبداد، وخشي الطغاة بأس القلم واللسان.

وهل تفرّد العرب بالهجاء؟

ألم يكن الهجاء فناً ظاهراً في جميع الآداب الشرقية والغربية؟

وهل خلت الكتب المقدسة من الهجاء حتى نعده من السيئات؟

وما هو الهجاء حتى نحكم عليه ذلك الحكم الجائر؟

ألم يكن صورةً للنفوس التي تغضب وتثور على ما تنكر من ألوان الضمائر والأعمال؟

وكيف نعيش إذا نجونا من ثورة الحب والبغض؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>