للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هـ. وكان يقوم على أمر هذا الاضطهاد قضاة مخصوصون، أشهرهم: عبد الجبار الذي ذكرناه آنفاً، وعمر الكلوزي الذي عين في سنة ١٦٧، ثم محمد بن عيسى حمدويه الذي خلف عمر.

وكان الزنادقة يقبض عليهم لأقل شبهة ويأتون أمام القاضي فيطلب إليهم أن يرجعوا عن الزندقة إن اعترفوا بها ويطلق سراحهم إن رجعوا عنها ويقتلون إذا استمروا عليها ورفضوا الخروج عنها.

ولكي يتأكدوا من أنهم رجعوا عن الزندقة حقاً كان الخلفاء يستخدمون وسائل شتى أشهرها تلك التي يروون عن القضاة في عصر المأمون أنهم كانوا يستخدمونها، فهم يذكرون عنهم أنهم كانوا يطلبون إلى الزنديق أن يبصق على صورة ماني، وأن يذبح طائراً بحرياً اسمه التزرج. أما البصق على صورة ماني فالمقصود به تحقير صاحب مذهب المانوية وهو ماني، وهذا دليل على أن الزنديق قد رجع عن هذا المذهب؛ أما الحكمة في ذبح هذا الطائر فلا تكشف عنها المصادر التي بأيدينا. ولكن مؤلف المقال الذي نحن بصدده يقول بأن المقصود بذلك هو أن يفرض على الزنديق أن يذبح كائناً حياً، وذبح الحيوانات تحرمه المانوية. ولا بد لنا من قبول هذا التفسير لأن كل المصادر التي تحدثنا عن المانوية لا تذكر مطلقاً أن المانوية كانوا يقدسون طائراً بعينه، سواء أكان هذا الطائر التزرج أو كان غيره. وقد حدث مثل هذا في أيام محاكم التفتيش سنة ١٢٣٩ مع طائفة الكاتار التوسكانيين فقد طلب إليهم بحضور البابا جورج الرابع أن يبرهنوا على إخلاصهم في الارتداد بأن يأكلوا اللحم أمام جمع من الأساقفة

ولم يكن كل هؤلاء الذين يتهمون بالزندقة زنادقة حقاً؛ وإنما كان منهم من يتهم بالزندقة لأسباب سياسية. فقد اتخذ الخلفاء من هذا الاتهام وسيلة للقضاء على خصومهم من الهاشميين. وعلى هذا النحو اتهم ابن من ابناء داود بن علي ثم يعقوب بن الفضل وأتى بهما إلى الخليفة المهدي. ولما كان الخليفة المهدي قد ارتبط من قبل بعهد ألا يقتلهما، فانه لم يستطع أن يأمر هو بقتلهما، وإنما حبسهما وأشار إلى ابنه الهادي أن يقتلهما حينما يتولى الخلافة، ولكن الهادي لم يستطع أن يقتل غير يعقوب، لأن ابن داود بن علي مات في سجنه قبل أن يشغل الهادي مركز الخلافة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>