الأيدي لأنه جاء بعد الشبع وصفه بهذا الوصف فأين التعجب الذي في كلام الرجل؟
في ١٨٣ يحكي الجاحظ حال ابن أبي المؤمل في معاملة ضيفانه وذيادهم عن طعامه، فإنه كان إذا قدم عليه زائر ابتدره قبل أن يستقر في مجلسه وقبل أن تذهب عنه وحشة المكان بقوله لخادمه هات يا خادم شيئاً لفلان ينال منه. فإذا قال الضيف قد فعلت سجل عليه تلك الكلمة ثم يقول الجاحظ:
فإذا استوثق منه رباطا وتركه لا يستطيع أن يترمرم لم يرض بذلك حتى يقول في حديث له: كنا عند فلان فدخل عليه فلان فدعاه إلى غدائه فامتنع ثم بدا له فقال: في طعامكم بُقيلة أنتم تجيدونها
وهنا يضع الشارحان علامة الاستفهام بعد كلمة تجيدونها ووضع الاستفهام هنا خطأ لأن الجملة خبرية والمعنى أن الضيف بدا له أن يعدل عن الاعتذار من الأكل فأحب أن يتطرق إليه بقوله إنكم تجيدون عمل هذه البقيلة التي أراها على المائدة أي فهو يقدم لقيامه إلى المائدة بهذه المقدمة، وابن أبي المؤمل إنما يحكي لضيفه هذه الحكاية ليأخذ عليه طريق هذه الحيلة فالكلام خبر على وجهه ولا رائحة للاستفهام فيه
وفي ص ١٨٥ يرد كلام ابن أبي المؤمل:
ومن لم يشرب على الريق فهو نكس في الفتوة دعي في أصحاب النبيذ وإنما يخاف على كبده من سورة الشراب) فيذكر الشارحان في معنى النكس أنه المقصر عن غاية المجد والكرم وأنه الرجل الضعيف ثم يقولان يعني أن من لم يشرب على الريق فهو ضعيف الكرم مقصر فيه، وهذا خطأ وإنما المراد أن من لم يشرب على الريق فهو ضعيف في فتوته ناقص الصلابة في جسمه بدليل قوله بعد ذلك وإنما يخاف على كبده من سورة الشراب.
ولا ندري السبب الذي من أجله حشد الشارحان في شرحهما معاني النكس من غير أن يكونا بحاجة إلا إلى معنى واحد منها على حسب ما رأيا في شرحهما. وما نرى ذلك إلا تضليلاً للقارئ وتردداً من الشارح. وإنما الواجب تلمس ما يناسب المقام ثم المضاء في القصد إليه وحده. فأما هذا الاستكثار من أقوال أصحاب المعاجم فليس فيه كبير فائدة لمن أسلم ذهنه إلى شارح وثق به واعتمد عليه في هدايته إلى الصواب