للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن أجل هذا كان جميع هؤلاء من الموالي الفرس. وبين هؤلاء وهؤلاء وجدت طائفة من الزنادقة كانت تتخذ من الزندقة وسيلة من وسائل العبث الفكري التي يلجأ إليها الشكاك دائماً، يرومون من ورائها أن يعبثوا بعقائد الناس، بأن يعقدوا حلبات النضال بينها، ويساعدوا الضعيف منها على القوي السائد، ويظهروا ميلهم إلى الأول؛ وكل هذا لا شيء إلا ليجدوا السلوى حيث لا سلوى، ويعثروا على العزاء وليس ثم عزاء. فهي حالة نفسية عنيفة تتملكهم فتدفعهم إلى ما هو أشبه باللهو الفكري والمجون الشكي منه إلى شيء آخر.

وتكاد الطوائف والدوافع يقابل بعضها بعضاً تمام المقابلة. فالطائفة الأولى، ونعني بها طائفة رؤساء المانوية (أو المنانية فالمعنى واحد)، يغلب على دوافع أصحابها الإيمان بها إيماناً صادقاً، وهذا هو الأليق بأن يكون عليه الرؤساء. والطائفة الثانية يغلب على أصحابها الدافع الأخير، دافع الشك الفكري والفكر المتشكك، ولا عجب فهم متكلمون أي أنهم رجال فكر وأصحاب مذاهب ومقالات يعتمدون على الأفكار والعقل، دون المصالح أو الإيمان. والطائفة الثالثة، وإن كان للدافع الثاني أثر كبير في اتخاذها الزندقة، إلا أن أعظم دافع أثر فيها كان نزعة الشعوبية. وليس هذا بغريب فالشعراء والكتاب لا يستهويهم الإيمان، ولا قبل لهم بالإمعان في الشك الفكري، وإنما تستهويهم الأحداث العنيفة التي تلهب عواطفهم وتثير ثائرة خيالهم، وليس أدعى إلى إلهاب العاطفة وإثارة الخيال من نزعة الشعوبية؛ أولاً لأنها تتصل بالسياسة وأحداثها، والنزاع القائم بين طائفة وطائفة أخرى. وثانياً لأن الشعوبية تذكرهم بمجد تالد يعتزون به، ويتغنون بعظمته. والشعراء يميلون دائماً إلى التغني بالماضي سواء بالافتخار به أو البكاء عليه، لأن الماضي زمن قد فات ولم يعد له وجود إلا في الذاكرة التي تعيه، فيستطيع الخيال أن يشكله على النحو الذي يبغيه، وأن يتصرف فيه كما أراد وحيثما شاء، وهو مطمئن آمن. بينما الحاضر يحدق في عينه فلا يستطيع أن يزور فيه أو يكذب عليه في أثناء وجوده!

والآن فلنتحدث عن أشهر رجال هذه الطوائف

أما الطائفة الأولى فأشهر رجالها أبو علي سعيد، وأبو علي رجاء، وأبو يحيى ويزدانبخت. وقد استطاع الأستاذ فيدا صاحب المقال الذي أشرنا إليه والذي نعتمد عليه كثيراً في مقالنا هذا، أن يعثر على اثنين منهم في المصادر الأخرى في يقين. ثم حاول أن يتعرف إلى آخر

<<  <  ج:
ص:  >  >>