تعلم البحرية وأسمح له في نفس الوقت بالخروج من المنزل لشراء حاجياته أو للتوجه إلى المدرسة، لأنه في هذا أيضاً معرض ليلقى حتفه بطريقة أسرع من احتمال غرقه في غواصة قد تغرق في كل بضعة آلاف من الغواصات
وهكذا نغادر جميعاً منازلنا في الصباح بشيء من التفاؤل يملأنا ثقة أننا سنلتقي بأطفالنا في المساء، ولو أن بين مئات الألوف الذين يخرجون كل صباح من مدينة القاهرة يوجد دائماً وكل يوم واحد أو اثنان يُصاب بحادث يحرمه من هذا الاجتماع
إن فهمنا للطبيعة انقلب رأساً على عقب بهذه الفلسفة الجديدة التي أدخلها بولتزمان، فلأول مرة دخل في العلوم الطبيعية قانون إحصائي مبني على مجموع الحوادث الفردية واحتمال حدوثها بدل القوانين القديمة التي كانت لا تستند على هذا النوع من التفكير
من هنا بدأ مجال جديد في جميع المسائل؛ ومن هنا تغلغلت فكرة بولتزمان في النواحي الأخرى للعلوم الطبيعية. ولا شك أنني عندما فكرت يوماً أن أحصل على حالة الماء المشبع بالطمى من دراسة فوتو كهربائية للماء الحامل للطمى كنت متشبعاً بنوع من التفكير الإحصائي لبولتزمان، على رغم أن كل العوامل كانت تؤول بنا إلى الابتعاد عن الطرق النيفولومترية وهكذا رغم العوامل المنفرة استعملت الطرق الضوئية بنجاح لمعرفة كمية ما بالنيل من طمى ووضعت مع العالم بيروه أخيراً أساساً لمعرفة كمية الطمى عن بعد وبدون الالتجاء لاستعمال الأسلاك الكهربائية على أن هذا النجاح مرتبط بوجود متوسط عام لملايين الجسيمات من طمى النيل، متوسط يدل على كمية هذا الطمى ونوعه
وهكذا باتت العلوم كلها مسرحاً لنتائج الإحصاءات الفردية وحساب الاحتمالات، والذين يستطيعون اليوم أن يتتبعوا (الكوانتا) وما أحرزته من نجاح ويفهمونها كما فهمها (بلانك) يدركون أن التقدم الإنساني آتٍ من هذه الناحية الجديدة الخاصة بالاحتمال والمصادفة والتي يظل اسم بولتزمان علماً فيها
ونختم هذا البحث الخاص بالجزيء بأن نذكر للقارئ أن النظرية السينيتيكية قد ساعدت جدياً على فكرة الجزيء وأفهمتنا كنهه وطبيعته بدرجة بلغت الآن اليقين، بحيث أن ترك السينيتيكية يجعلنا عاجزين عن تفسير أحد قوانين الطبيعة وهو قانون بقاء الطاقة وعدم فنائها، ونكرر للقارئ أن السينيتيكية ساعدت أمثال بولتزمان على تفسير بعض مظاهر