حاول أن تأخذك الحال ويستخفك الذكر؛ فكلما أزبد الفم وأرعد الصوت وتشنج الجسم وهاج الدم، كان ذلك أحمل للناس على أن يعتقدوا فيك الولاية فتقودهم صاغرين إلى ما تريد
وصدق الوالي كل ما قلته له تصديقاً لا تتخالجه فيه شبهة. وجاء يوم الجمع واحتشد الأعيان والوجوه يسمعون ماذا يقول الوالي. وجلس الباشا وأنا بجانبه وشيوخ المعارف من حوله، وأمر فأشعلت (الغلايين) الطويلة، وأخذ يذكر ويترنح وأنا أرسم له، والشيوخ يذكرون معه. ثم غمزته بعد حين فتهور و (تطور) وأرغى. وتظاهرت أنا بجذبة الوجد وسكرة التجلي فقرعت غليونه بغليوني، ثم أخذت بلحيته البيضاء ورأسه الأصلع، ففعل بي مثل ما فعلت به، وأخذنا نتدحرج على البساط، فمرة أكون فوقه، ومرة يكون فوقي، والشيوخ يعجون بالذكر، والناس يضجون بالضحك، وأنا والوالي قد ملكتنا حميا الولاية فدخلنا في صراع عنيف لم يخرجنا منه إلا انقطاع النفَس. فجلسنا مسترخيين نلهث من الإعياء وكلانا ينظر إلى صاحبه نظر الديك المنتوف إلى الديك المهيض. وذلك يا مولانا هو الوالي الذي اختير لتعليم الجاهل وتصحيح المريض!