المذموم إذا كذَّبوا مغتابه. وهم يسرعون إلى هذا التصديق وإن كانوا من أهل الخير، وإن كانوا من أبعد الناس عن التلذذ بالحقد من غير سبب للحقد، وإنما يصدقون المغتاب وقاية لأنفسهم، وكل إنسان به شيء قليل أو كثير من الجبن أو الخوف أو الحذر فيخاف إذا لم يعاون المغتاب على اغتياب الغائب - وأقل المعاونة المعاونة بالسكوت والإنصات والابتسام والإقبال - أن يُعدَّ مشاركا للغائب فيما اغتيب به. وإذا كان هذا شأن أهل الخير فما ظنك بغيرهم من الناس وأكثر الناس يجدون في أنفسهم لذة ومسرة - إما قليلة تكاد تكون خفية غير ملحوظة وإما لذة عظيمة - إذا سمعوا ذماً لإنسان. وأقل أسباب هذه اللذة وأطهرها أن الذم لم يقع بهم بل بغيرهم فَيُسرون لنجاتهم من الذم بوقوع الذم بغيرهم كما يسرون من أجل أنَّ ذم غيرهم بالحق أو بالباطل إذا سمعوه أو قالوه يزيدهم عظمة عند أنفسهم فيشعرون أنهم صاروا أعظم من المذموم حتى ولو كان ذمه بالباطل، فالذم كالجمر كل يريد أن يلقيه على غيره. فإذا أحس السامع في نفسه أنه أحق بذلك الذم الذي اغتاب به المغتاب غائباً أسرع في معاونة المغتاب على الغيبة كيلا يفطن المغتاب وكيلا يلحظ من عينيه أنه أحق بالذم من الغائب. ومن أجل ذلك يكون الاغتياب أشيع ما يكون بين أهل النقص الحقيقين بالذم الذين يخفون من أسرار أنفسهم ما هو حقيق بالذم فيرتعدون خوفاً من ظهوره فيندفعون إلى الغيبة من الخوف، كما قد يُقبِلُ الأرنب من خوف إلى الثعبان، أو كما قد يُقبِلُ الهِرُّ من خوف إلى الأسد. وهم قد يندفعون في نقصهم ويُهونون على أنفسهم النقص بذلك. وقد يُصَرَّحُ المغتاب للسامع بالتهديد ولا يكتفي بالتلميح في تهديده فيقول: لا يدافع عن أهل الرذيلة إلا من كان من أهل الرذيلة، فيسرع السامع إلى تصديق المغتاب، وربما صار من خوفه أشد شَرَهاً في الاغتياب من ذلك المغتاب الذي هدده إذا لم يقبل منه قوله. وقد تجتمع في نفس السامع أسباب الاغتياب كلها، بل إن الخوف من مشاركة الغائب المهجو في الذم قد يجعله السامع عذراً لنفسه إذا وجد لذة في الشر والانتقاص، وإيقاع الأذى بغيره بمعاونة المغتاب؛ فبعد أن يكون قبوله الاغتياب والمعاونة عليه خوفاً يصبح القبول وتصبح المعاونة لذة في إيقاع الأذى وتعاظماً بانتقاص غيره، فترى أن أقل أسباب قبول الغيبة إثماً وأطهرها شكلاً يسوق النفس إلى أكثر أسباب قبول الاغتياب والمعاونة عليه إثماً، وإلى أخبثها أصلاً في النفس. وهذا من عجائب النفس الإنسانية التي في أول أمرها