للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأخيراً وقع في مصر حادث ما نظن في تاريخ الاستعمار الأوربي كله أن استغل حادث كما استغل - في قبح ما بعده قبح - ذلك الحادث على بعد ما بينه وبين السياسة العامة للبلاد، وذلك هو حادث المؤامرة الجركسية المشؤوم

نمى إلى عرابي وزملائه أن فريقا من الضباط الجاكسة في الجيش يأتمرون به وأصحابه ليقتلوهم! فكان أن ألقت الحكومة القبض عليهم كما يقضى بذلك واجبها وساقتهم إلى المحاكمة فقضت فيهم قضاءها. وليس في هذا الحادث في ذاته ما يتصل بالسياسة العامة للبلاد بسبب من الأسباب. وما كانت أية وزارة تستطيع أن تسلك فيه سبيلاً غير التي سلكته وزارة البارودي، ولكن الكائدين المفترين ما لبثوا أن ملئوا الدنيا صياحاً وتنديداً وتهديداً ووعيداً، ونسوا كل شئ إلا تحقيق أطماعهم من وراء هذا الحادث، فكان من أقوالهم وأفعالهم ما هو حقيق بأن يسم تاريخ أي شعب من الشعوب بميسم العار والخزي؛ بل ما هو خليق بأن يساق ين أقوى الأدلة وأنصعها عل صحة مبدأ القائلين بأن هذه المدنية المزعومة قد أفسدت بني الإنسان فزادتهم قرباً إلى الحيوانية بقدر ما باعدت بينهم وبين ما كان يرجى للآدمية من سمو روحي ظل أمل الفلاسفة منذ أن أخذوا يحاولون التخلص من هذا الطين وينزعون بأبصارهم وأرواحهم إلى السموات

والحق لقد دل مسلك دعاة المدنية الأوربية على مبلغ ما يمكن أن يصل إليه غدر الإنسان بأخيه الإنسان في عصرنا هذا، وما برح مثل عملهم هذا يوحي إلى ذوي الأحلام والآمال من البشر أن الإنسان لا يزال هو الإنسان، وأنه إذا كان ارتقى في شئ ففي وسائل الكيد والبطش. أما غرائزه الأولى: غرائز السيطرة والأنانية وحب التملك، لا زالت بحيث لم يطرأ عليها أي تعديل، أو سمو على الرغم مما يتبجح به المثاليون والخياليون من حماة الإنسانية. وإنا لنجد في بيان مدى ما وصل إليه هؤلاء الساسة من انحطاط خيراً من أن نعرض المسألة في وضعها الطبيعي البسيط وما كان من أمرهم إزاءها مكتفين بذلك عن كل تعليق عليها، فما كان لكلام أن يبين عما يتحرك في الذهن ويعتلج في أطواء النفس أو يشفي القلب مما يحس من ألم وضيق أمام مثل ذلك العدوان الشنيع.

(يتبع)

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>