الاستقلال أعظم خطراً وأشد تعقيداً) مما تحدث به إليهم (في ساعة من ليل أو في ساعة من نهار، أو في قاعة من قاعات الجامعة الأمريكية. . . وأنه يحتاج إلى جهد أشق وتفكير أعمق وبحث أكثر تفصيلاً) ووعد نفسه بأن يبذل هذا الجهد، وأن يفرغ لهذا البحث، وأن ينهض بهذا العبء. . . ولكنه لم ينبئ هؤلاء الشباب بشيء مما قرره، لأنه أشفق أن تحول ظروف الحياة بينه وبين إنجاز هذا الوعد. وليس أشق عليه من وعد يبذله للشباب ثم لا يستطيع له إنجازاً. . .)
إن كتاب (مستقبل الثقافة في مصر) كتب (لإنجاز ذلك الوعد الذي قدمه الأستاذ إلى الشباب الجامعيين ولم يظهرهم عليه. . .)
إن هذه المقدمة تدل دلالة واضحة على أن الدكتور طه حسين قد شعر بخطورة هذه المباحث حق الشعور، وقدّر عواقب التسرع والارتجال فيها حق التقدير. . . كما تعلن إعلاناً صريحاً أنه لم يكتب الكتاب إلا بعد أن بذل (الجهد الأشق) الذي قال بضرورته، وقام (بالتفكير الأعمق) الذي نوه به، و (فرغ للبحث لينهض بالعبء) الذي أشار إليه. . .
غير أن من ينعم النظر في الكتاب - بعد مطالعة هذه المقدمة - يشعر بشيء كثير من خيبة الأمل؛ لأنه لا يجد فيه من الآراء والملاحظات ما يتناسب مع وعود العنوان وتصريحات المقدمة. فالكتاب يتألف في حقيقة الأمر من مجموعة أحاديث ومقالات قليلة التناسق كثيرة التداخل، يبدو على جميع أقسامها آثار الارتجال والاستعجال، ويتخلل معظم أقسامها أنواع شتى من الاستطرادات والاستدراكات. . .
فكثيراً ما يقع النظر في صفحات الكتاب على فكرة صائبة - معروضة بأسلوب جذاب - غير أنه يلاحظ في الوقت نفسه كثيراً من المآخذ في المقدمات التي سبقت تلك الفكرة والملاحظات التي تلتها فيبقى حائراً متردداً بين مواقف الاستساغة والاستنكار.
إن نظرة إجمالية إلى أولى المسائل المشروحة في الكتاب تكفي للبرهنة على كل ذلك في وضوح وجلاء.
- ١ -
إن المسألة التي يفتتح بها الدكتور طه حسين أبحاث كتابه تتلخص في السؤال التالي:
هل يوجد فرق جوهري بين العقل المصري والعقل الأوربي؟