للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جوهري) بين (العقل المصري، والعقل الأوربي) شيء، والقول بأنه لا يوجد بين المصري والأوربي (فرق ثقافي ما) شيء آخر. . . فمهما آمنت بالقضية الأولى إيماناً عميقاً، لا يمكنني أن أسلم بالقضية الثانية أبداً. . . وأعتقد اعتقاداً جازماً أن إنكار وجود (الفرق الثقافي) بين الشعوب التي نشأت حول بحر الروم، لا يختلف عن إنكار وجود الشمس في رابعة النهار. . .

كما أرجح أن المؤلف نفسه لم يكتب ذلك عن (تأمل واعتقاد)، بل كتب ما كتبه في هذا المضمار مدفوعاً بدوافع الاستعجال والارتجال - بالرغم من تصريحات المقدمة - ومجروفاً بتيار الألفاظ والكلمات. وربما كان من أبرز الأدلة على ذلك ما قاله في أواخر الكتاب حيث يختم أبحاث الكتاب بسؤال عام: (أتوجد ثقافة مصرية؟) ويجيب على هذا السؤال بالعبارة التالية:

(هي موجودة)، متميزة بخصالها وأوصافها التي تنفرد بها من غيرها من الثقافات. . .) (الصفحة - ٥٢٥)

ولا أراني في حاجة إلى البرهنة على أن مضمون هذه العبارة، يناقض القول الذي أشرنا إليه آنفاً، مناقضة صريحة. . .

ومما يجدر بالملاحظة أن مغالاة المؤلف في تشبيه المصريين بالأوربيين - وإنكار وجود الفروق بينهما - لا تنحصر في هذه القضية وحدها، بل تتعداها إلى أمور أغرب منها: إذ أننا نراه يدعي - في محل آخر من الكتاب - عدم وجود فرق بينهما من حيث الطبع والمزاج أيضاً. فهو عندما يصرح بأنه (لا يخاف على المصريين أن يفنوا في الأوربيين) يبرهن على ذلك بقوله:

(. . . ليس بيننا وبين الأوربيين فرق في الجوهر ولا في الطبع ولا في المزاج. . .) (الصفحة٣٦)

ليس بين المصريين والأوربيين فرق لا في الطبع ولا في المزاج! لا أدري كيف يستطيع أحد أن يدعي ذلك بصورة جدية؟ فإن الفروق في الطبع والمزاج من الأمور التي تشاهد على الدوام بين الأمم الأوربية نفسها، وهي تبدو للعيان بين الإنكليزي والفرنسي والألماني والإيطالي. . . حتى بين الشمالي والجنوبي من الفرنسيين، والشرقي والغربي من الألمان،

<<  <  ج:
ص:  >  >>