للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فقد قمنا من الناحية العسكرية بما لم نفعله قط في تاريخنا من قبل: لقد أدخلنا نظام التجنيد وقت السلم، ويجدر بي أن أسوق كلمة موجزة في هذا الموضوع الذي كان محلاً لتعليقات عديدة في فرنسا، لست أقول إننا فعلنا هذا عن طيب خاطر، ولكن نفورنا لم ينشأ عن أنانية أو جهل قد يصل إلى مرتبة الغباء، فإن الرجال في إنجلترا كما يجب أن تعرفوا، قد جاءوا وما زالوا، ليجودوا بأنفسهم بكثرة، ولقد بلغ عدد من قيد اسمه في البحرية أو الطيران أو الجيش ستة آلاف إلى ثمانية آلاف في اليوم، والتفسير العميق لهذا أن التجنيد في وقت السلم ضد تقليد ذي وجهين، حربي وأدبي، دام منذ مئات السنين، وليس من الهين أن نتحرر بسهولة من هيمنة القرون النفسانية. أما التقليد الأدبي فهو مذهب التطوع الساري في جميع النواحي، فانظروا مثلاً إلى مستشفياتنا التي تعيش بفضل جود الأفراد. وأما التقليد الحربي، فلأننا من سكان الجزائر قد اعتدنا أن نعتبر أن حماة أرض الوطن هم بحارتنا لا جنودنا. وأرجو أن تقدروا فيما عدا الذين سيعملون في دفاع الطيران أن مجندينا سيحاربون في بلاد أجنبية وفي مناطق بعيدة في بعض الأحيان، وأن رجل الشارع لا يرى دائماً كيف ولماذا تكون هذه المناطق الأجنبية مرتبطة بطريق غير مباشر بسلامة ونجاح الجزر البريطانية. فإذا ثبت في الأذهان هذه الاعتبارات النفسانية فهمتم ووافقتم على أن اعتناق مبدأ التجنيد هو انقلاب حقيقي عند الإنجليز، وأن سبباً واحداً استطاع أن يخرجنا عن مقتنا التقليدي للتجنيد: هو الرغبة في ألا ندع أدنى شك يتسرب إلى أصغر بقعة في أوربا عن إرادتنا في تقديم أكبر ما يمكن في المساهمة التي نستطيعها.

وليست مساهمتنا في الميدان السياسي بأقل انقلاباً من المساهمة العسكرية. ففي إعطائنا الضمانات لدول مختلفة في شرق أوربا ارتبطت إنجلترا بالقارة كما لم تفعل من قبل هذه الضمانات التي تخص غبر بولونيا رومانيا واليونان وتركيا، وهذه تسوقني إلى الكلام على مشكلة البحر الأبيض:

شرق البحر الأبيض

من الجلي أن الضمانات التي أعطيناها دول البلقان تجبرنا على الاحتفاظ بالسيادة البحرية التي للتحالف الفرنسي الإنجليزي في البحر الأبيض، ومن العبث أن نبين تفوق أسطول هذا الحلف الساحق على أي عدو في كل ما يختص بالسفن؛ ولكن هناك وهذا صحيح،

<<  <  ج:
ص:  >  >>