للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قرأت في (الرسالة) كلمة طيبة لحضرة الأستاذ محمود علي قراعة في مراجعة ما قررت في أحد الأبحاث الماضية من اعتراف القرآن بالنعيم الحسي في الفردوس.

والظاهر أن الأستاذ قراعة يرى أن القول بالنعيم الحسي ينافي القول بالنعيم الروحي لمن يرضى الله عنهم من المؤمنين.

وأقول بصراحة جلية: إن الإسلام يقوم على أساس القول بأن الإنسان مكوَّن من جسد وروح، وهو كذلك في الحياة الأخروية؛ فسيكون بعد الحساب جنة أو نار، جنة فيها أنهار وأشجار وأزهار، وقصور، وحُورٌ عِين كأمثال اللؤلؤ المكنون، ونار فيها جميع صنوف العذاب!

جنة حقيقية لا مجازية، ونار حقيقية لا مجازية.

تلك هي الحال التي سيصير إليها المؤمنون أو الكافرون بعد الحساب.

أما القول بأن الجنة والنار رموز لا حقائق، وأن الثواب والعقاب سيكونان مقصورين على الروح، فذلك قول وصل إلى بعض الصوفية من التأثر بالمسيحية.

والنظرية الإسلامية الصحيحة التي تعترف باللذات الحسية في الآخرة لا تمنع من القول بأن سيكون في المؤمنين من يكون نعيمهم برضوان الله أطيب من نعيمهم بما في الجنة من ثمرات وطيبات

وليت أمثال هذا الصديق يعرفون أن اللذات الحسية من طعام وشراب وعافية هي من نعم الله ذي الجلال، وهي مشتهاة في الدنيا والآخرة؛ وما كانت كذلك إلا بمشيئة بارئ الأرض والسموات

أنا يا صديقي راض بأن يكون حظي في الآخرة عند الحد الذي تقول فيه الآية الكريمة:

(فمن زُحْزِح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)

أما قضاء الأبد الأبيد بالتسبيح والتكبير والتهليل، فهو غاية سيطلبها رجل غيري؛ فقد قضيت حياتي في أكدار وأشجان، وقضاء الأبد في الفردوس هو الواحة التي أستظل بها من هجير هذا الوجود.

اشغلني عنك، يا رباه! بما سيكون في الجنة من أطايب النعيم. فإن بصري أضعف من أن يواجه نورك الوهاج، ولك الرأي الأعلى في التجاوز عن ذنوبي وآثامي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>