تفلح في تدبير مرافقها الثقافية الهامة، إلا إذا عنيت بهاتين اللغتين، لا في الجامعة وحدها، بل في التعليم العام قبل كل شئ (ص ٢٨١).
لأن (اللاتينية واليونانية أساس من أسس العلم والتخصص)(ص ٢٨٥) فيجب أن تفرضا على (كل من يريد العلم الخالص والتخصص فيه)(ص ٢٧٦) و (لأن التعليم العالي الصحيح لا يستقيم في بلد من البلاد الراقية إلا إذا اعتمد على اللاتينية واليونانية على أنهما من الوسائل التي لا يمكن إهمالها والاستغناء عنها. . .)(ص ٢٩٢).
ولهذا السبب، يوجه الدكتور إلى معارضيه السؤال التالي، ويجيب عليه بالملاحظات التي تليه:
(والسؤال الذي يجب أن نلقيه وان نجيب عنه في صراحة وإخلاص وفي وضوح وجلاء هو هذا السؤال: أنريد أن ننشئ في مصر بيئة للعلم الخالص تشبه أمثالها في البيئات العلمية في أي بلد من البلاد الأوربية الراقية أو المتوسطة أم لا نريد؟ فإن كانت الثانية فقد خسرت القضية، وليست مصر في حاجة إلى يونانية ولا إلى لاتينية، وليست مصر في حاجة إلى الجامعة وإلى كلياتها بل حسها أن تعود إلى عهدها أيام الاحتلال، وان تسير سيرة المستعمرات وتكتفي ببعض المدارس العالية لتخريج من تحتاج إليهم من الموظفين. وإن كانت الأولى فقد ربحت القضية، ولا بد من العناية بهاتين اللغتين لا في الجامعة وحدها، بل في المدارس العامة أيضا (٢٨٨).
يظهر من هذه العبارات أن الدكتور يعتبر هاتين اللغتين من لوازم الجامعة الأساسية، ويدعي أن عدم العناية بهما لا يختلف كثيراً عن طلب إلغاء الجامعة نفسها، ويرى بأن ذلك لا يجوز إلا إذا طُلب من مصر أن تعود إلى عهدها أيام الاحتلال وأن تسير سيرة المستعمرات. . .
وقد يخطر على بال القارئ أن يسأل مستغرباً: إذا كانت المسألة بهذه الدرجة من الوضوح والجلاء فكيف وجدت هذه المقاومة وهذا الازورار في دوائر المعارف ومحافل المثقفين؟ إن الدكتور يبدي هذا الاستغراب فيقول:(ومن اغرب الأشياء في نفسي وأبعدها عن فهمي ألا يفطن لها ولا يهتدي إليها الذين ينهضون بشئون مصر ويقومون على تدبير الأمور فيها، والذين يشرفون على التعليم فيها بنوع خاص. . .)(ص ٢٨١).