هذه النواحي المبتذلة من الحياة التي يتعفف الفن الإسلامي عنها، فهم يستطيعون هذا التعبير بالقوة. وهذا هو ما يغرينا بالمضي في الحرص على اتباع الإسلام حتى في الفن؛ فهذا الذي نخسره من الفن بهذا الحرص تافه وهين ما دام جمهور الناس يستطيعونه، والفنان يطلب منه شيء أكثر مما يطلب من عامة الناس، وهو الكائن الحي الناضج الحياة الذي يتوقع منه الناس أن يكشف لهم بإحساسه المرهف من حقائق الحياة ومباهجها وجمالها ما لا يستطيعون هم أن ينتهوا إليه بحسهم، كما أنهم يحبون من علمائهم أن يهدوهم من حقائق الحياة ومنافعها إلى ما يعجزون هم عن أن يصلوا إليه، وكما انهم يحبون من الهداة الأتقياء ذوي الفضل أن يرسموا لهم ما ينبغي أن يكون، وما ينبغي إلا يكون.
وما أجل هذا الذي يجتمع له هذا كله فيكون هادياً بفضائله وعلمه وفنه.
فإذا لم يتيسر هذا لرجال الإنسانية عفواً فان الإرادة كفيلة بتحقيقه. ولست اقصد بالإرادة أن يعتزم الفنان أن يحقق في فنه الأخلاق الفاضلة، ونفسه بعيدة عن الأخلاق الفاضلة. فيخرج فنه متكلفاً سخيفاً يشعر كل من يتصل به بأنه فقد ميزته الأساسية الأولى، وهي أن يكون تلبية لنداء الطبيعة والفطرة، وإنما الذي اقصده هو أن يبدأ الفنان بتحقيق الفضيلة في نفسه هو. فإذا أبدع فناً بعد ذلك كان الفن صورة نفسه، وكان الفن فاضلاً.
وطبيعة التطور والارتقاء تطالب الفنانين بهذا، كما أنها تطالب به العلماء، وكما أنها تطالب به أصحاب الأخلاق والفضائل. ذلك أن الحياة الروحية للإنسان تريد أن تسمو وأن تتقدم الخطى إلى الامام، وطريقها إلى هذا الرقي هو نفوس الناس أنفسهم، وما دام في الإنسان إرادة فلابد من أن يكون لهذه الإرادة لزوم في تحقيق التطور والارتقاء بدليل أنها لا تزال موجودة في نفس الإنسان، وأن لإنسان لا يزال يمارسها في كل أعماله تقريباً، وما دام الأمر كذلك فانه قد حق علينا أن نريد ترقية أنفسنا، ثم أن نعمل على هذه الترقية. أما الإرادة فأمرها بيدنا، وأما العمل فطريقه التدريب، وكما أن للعقل تدريباً يساعده على بلوغ العمل، وكما أن للخلق تدريباً يساعده على بلوغ الفضيلة، فإن للحس تدريباً يساعده على بلوغ الفن!
وقد ارتضى كل فنان لنفسه مثلاً أعلى يريد أن يرقى إليه وأنا اخترت الإسلام من هذه المثل لمن يعجبهم اختياري.