قرأت المقال الثاني لصديقي الأستاذ علي الجندي فرأيته يجعل ذلك الوالي الذي أغتصب سعاد من ابن عمها سعد، مروان بن الحكم، فزاد هذا تلك القصة اضطراباً. وقد رأيت بعد هذا أن أراجعها في مظانها، ولم يحملني على هذا إلا استبعادي أن يقع مثل ذلك من مروان في مكانته وزعامته لبني أمية، وأن يظهر في تلك القصة بمظهر الوالي الذليل لمعاوية، وهو الذي كان يساميه في نسبه وزعامته لتلك الأسرة الحاكمة من قريش، وقد كان معاوية يلانيه ويداريه، ولا يعامله بتلك الخشونة التي عامله بها في تلك القصة، حتى إنه لما عهد لابنه يزيد كتب إلى مروان يأمره بأخذ بيعة قريش وأهل المدينة ليزيد، فأبى ذلك وأبته معه قريش، ثم ذهب إلى معاوية مغاضباً في نفر من أهل بيته، وأنكر عليه خروجه على ما سار عليه الخلفاء قبله من جعل ذلك الأمر شورى بين المسلمين، وتأميره الصبيان عليهم، فأهم معاوية أمره، واشترى رضاه بالمال، ففرض له ألف دينار في كل هلال، وفرض له في أهل بيته مائة مائة
ولم تخطئ والحمد لله فراستي في ذلك، فقد راجعت تلك القصة في كتاب تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق للشيخ الفيلسوف داود الأنطاكي الطبيب المعروف، فوجدته يذكر أن ابن عمها لما أملقت يده رفع أبوها أمره إلى ابن أم الحكم، فضيق عليه السجن والقيود حتى طلقها كارهاً، فأعطى أباها عشرة آلاف درهم وتزوج بها. ولاشك أن ابن أم الحكم غير مروان ابن الحكم، لأن ابن أم الحكم هو عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي وقد اشتهر بنسبته إلى أمه أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب الأموي، وكان خاله معاوية يوليه أعماله فيسئ السيرة فيها، وهو الذي يليق بأن ينسب ما حصل في تلك القصة.
على أني أرى أن تلك القصة من القصص الموضوعة الضعيفة في سبكها وشعرها، فقد جاء فيما نسب إلى معاوية من الشعر فيها هذا البيت:
قد كنت تشبه صوفيَّا له كتبٌ ... من الفرائض أو آيات قرآن
ومثل هذا لا يمكن أن يقال في عصر معاوية، لأن نظام التصوف لم يكن قد حدث في ذلك العصر، ولم يكن فيه كتب في التصوف يحملها المتصوفة أو غيرهم. وكل أشعار تلك