للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكني حريص على هذا العيب لأني أراه الأصل الصحيح لكل بحث علمي له صبغة من الجد. ولست أشك في أن الأستاذ العقاد نفسه حريص على هذا العيب لأن الثقافة السكسونية تكبره أشد الإكبار ويخيل إلي أن قد كلن سكسونيا ذلك الرجل الذي لم يرضه أن ينتهي بالإنسانية إلى آدم فترقى بها أو تنزل في طبقات الحيوان الأخرى. ولست أدري لم نقر دروين حين يرد الناس إلى القردة ولا نقر الأديب الذي يرد النقد الحديث إلى نقد ارسططاليس؟

وبعد فأيهما أنشأ صاحبه: أهو علم النفس الذي انشأ النقد أم هو النقد الذي انشأ علم النفس الحديث؟ مسألة غريبة بعض الغرابة لأن المعروف أن علم النفس فرع من فروع الفلسفة قد تطور حتى أصبح الآن علماً تتناوله المعامل بالدرس والتحليل، والنقد فن من فنون الأدب. ومع ذلك فهذه الغرابة لا تثبت إذا فكرنا في أن هذا النقد إنما هو تحليل للآثار الأدبية وإن هذه الآثار الأدبية إنما هي صور لنفوس الأدباء الذين أنشئوها لنفوس القراء الذين استمتعوا بها. فدراسة الآداب دراسة للنفس الإنسانية. وليست هذه الفكرة جديدة ولا عصرية وإنما هي قديمة جداً عليها أعتمد ارسططاليس في كتاب الخطابة والشعر وعليها أعتمد العرب أنفسهم في فنون البيان. ومن المحقق الذي لا شك فيه أن الدراسات النقدية التي نشرها (سانت بوف) قد أعانت جداً على تكوين علم النفس الحديث. ومن المحقق الذي لا شك فيه أن (تين) كان ناقداً ولكنه ألف كتاب العقل الذي لا يزال له خطره العظيم في علم النفس الحديث. فليس وجود النقد الحديث نتيجة لنشأة علم النفس، وإنما النقد مؤثر جداً في نشأة علم النفس ومتأثر جداً بهذا العلم، وكلاهما قديم وضع اليونان أصوله الأولى. وأنا معتذر إلى الأستاذ العقاد من الرجوع دائماً إلى اليونان فقد أراد الله أن نرجع إليهم دائماً كل ما أردنا تاريخ مظهر من مظاهر الحياة العلمية أو الفنية أو الأدبية.

وهنا أريد أن أعاتب الأستاذ العقاد عتاباً رفيقاً. فقد زعم الأستاذ أن (سانت بوف) لا يشهد لمذهبي في نقد اللاتينيين، وإنما يشهد لمذهب الأستاذ لأنما في (سانت بوف) من مزايا راجع إلى تأثره بالثقافة السكسونية والدم السكسوني. ذلك أن أم سانت بوف من أصل إنجليزي وأنه كان يؤثر الشعر الإنجليزي على الشعر الفرنسي في بعض الفصول التي كتبها عن الإنجليز، وفي بعض رسائله الخاصة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>