للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل باب امرأة نصف في ثياب رثة زرية، وهي تحمل في يمينها خرقة بالية، وفي يسارها سطلاً فيه ماء دافئ.

هؤلاء النساء لسن بخادمات كما قد يتبادر إلى الخاطر العجل، بل ان كلا منهن ربة دار، وصاحبة الأمر والنهي فيها. وهي تنتظر ريثما يخرج من بالدار من بنين وبنات، ثم تأخذ في الجد والعمل، من غسل وطهي وخبز وعجن، ولا تكاد تهدأ ساعة من الصباح إلى المساء، بادئة عملها حيث يجب أن تبدأه: من عتبة الدار ودهليز البيت. . . ولقد تجد الواحدة منهن في غسل العتبة لذةً خاصة، ولعل أحب الأعمال جميعاً إليها. . لأنه يتيح لها فرصة قد تكون الوحيدة في كل يوم لان تتحدث إلى جارتها، وتقص عليها من كل شيء، بل ومن عدة أشياء أخرى. . .

وفي هذا اليوم من تشرين الأول خرجت السيدة نلسن من المنزل رقم ١٥ في ساعة باكرة، وأخذت تمسح عتبتها في شيء كثير من النشاط، لكنه كان نشاطا يشوبه القلق والاضطراب، وكانت من آن لآن تنظر إلى منزل جارتها السيدة هرفي صاحبة المنزل رقم ١٧، وكأنها تود بفارغ الصبر لو خرجت هذه السيدة لمسح عتبعها، كي تحدثها في الامر الذي أهمها وأزعجها؛ والذي كانت ترتعد من أجله الخرقة التي بيمينها. والسيدة هرفي هذه أرملة ورثت عن زوجها منزلا يفضل عن حاجتها وحاجة أسرتها، فكانت تسعىفي تأجير شطر منه لقاء مال يسير تستعين به على تكاليف الحياة. ولم تكن جارتها ترى في هذا بأساً، ما دام نزلاؤها رجالا ذوي فضل. لكنها لاحظت بالأمس من خلال النافذة رجلا أسود الوجه خارجاً من المنزل رقم ١٧؛ فما شكت في أنه النزيل الجديد، الذي تريد السيدة هرفي أن تؤويه في دارها. . . . يا عجباً لهذه المرأة التي لا تتورع من الخروج على كل عرف، وانتهاك كل حرمة. والنزول بهذا الحي الراقي، وهذا الشارع الطاهر، إلى الدرك الأسفل. . . ماذا يكون مصير هذا الحي يوم يرى سكانه هذا الأسود رائحاً غادياً، بوجه المزعج وسحنته المنقلبة؟. . إن العاقبة ستكون من غيب شك وخيمة والمصير أليما. فلن يلبث سادة الحي وأشرافه حتى يهجروه وينأوا عنه؛ لكي لا تقذى أبصارهم برؤية هذا الوجه الكريه. . . ان وجها واحداً من هذه الوجوه السود لكفيل بأن يلوث حياً بأسره، وأن ينغص على أهله صفاء الحياة وطيب الرقاد. . . . والويل لفتيات الحي ان صادفن هذا الوجه المنحوس في

<<  <  ج:
ص:  >  >>