ولو رزقني الله شيئاً من الصراحة لقلت: إن الشهوات هي في الأصل من أجل نعم الله على عباده، وما استنكرها رجال الأخلاق إلا بسبب الإسراف. أما الشهوات في حد ذاتها فهي من دلائل العافية: والعافية نعمة جزيلة ينعم بها الله على من يشاء
وفضيلة العفاف، وهي فضيلة نبيلة لا يقام لها وزن إلا حين تصدر عن رجال مزودين بحيوية الشهوات، فطغيان الشهوة ملحوظ عند النظر في فضيلة العفاف. أما عفاف العاجزين عن الفجور فهو لا يستحق أي ثناء، ولا يضاف صاحبه إلى أهل الكمال وإن لبس مسوح الرهبان
ويجب أن يكون مفهوماً أن الشهوة الحسية لها صلة بتفوق الرجال في الميادين العقلية، فالرجل الآمن من طغيان الشهوات محروم من نعمتين: نعمة القدرة على فهم الجمال، ونعمة القدرة على مجاهدة الأهواء
وكذلك يصح القول لأن الرجل العاجز لا يستطيع أبداً أن يتسامى إلى منزلة أصحاب الأخلاق
فهل ترونني وصلت إلى إقناعكم بأن أحمد أمين أخطأ حين عاب على شعراء الجاهلية أن يجعلوا المرأة من المتاع الجميل؟
أنا أعرف أني أوذي نفسي بهذه التحليلات، وأعرف أنها قد تصورني بصورة الرجل الفاتك، ولكن ماذا أصنع وأنا أريد أن أصدق كل الصدق وأنا أحادث القراء؟
وهل كتب على الدراسات الأدبية والفلسفية في مصر أن تقوم على قواعد الرياء؟
اسمعوا مني كلمة الحق في هذه الشؤون قبل أن تسمعوها من باحث يعيش في لندن أو باريس، فمن العار أن نعجز في عصر النور عما قدر على شرحه الأسلاف في عصور الظلمات
أما بعد فهناك مكاره سيصلاها أحمد أمين في المقالات الآتية وسيعرف أن التجني على ماضي الأدب العربي لا يمر بلا حساب
وأنا أرجوه أن يترفق بنفسه فلا يصر على تحقير الأرومة العربية وتمجيد الأرومة اليونانية، فقد أستطيع أن أحدثه بأن العرب الذي غلبت عليهم شهوات الحواس هم الذي استطاعوا بفضل فحولتهم أن يدحروا اليونان وأن يحولوهم إلى أحلاس في حوانيت