للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

' فمن المألوف أن نرى الأسرة في غرف النوم فإذا هي تفاجئنا في رسم سير ريالي على شاطئ البحر، وقد تعودنا أن نرى السحاب في السماء فإذا هو يباغتنا داخل الجدران. . . وهكذا نشاهد في الرسوم السير ريالية شجرة تنبثق منها ذراعان، وسمكة مضطجعة بجانب فتاة عارية، وعيناً تطل من وسط ثدي، وأجزاء من جسم الإنسان طائرة في الهواء، وهيكلاً عظيماً يرقص لأن سمكة بجانبه تغرد. . .

ولليسر رياليين أسلوب آخر في مقاومة عادة التسليم بالأمر الواقع هو اللجوء إلى إثارة الرغبات المكبوتة وتنشيطها وحفزها على التمرد. ومن هنا كلمة (سلفادور دالي) المشهورة: (يجب أن يكون الفن مغرياً بالأكل ' أي مغرياً بتحقيق الرغبة واجتلاب اللذة. وكلمة (نيكولا كالاس): (الفن معمل بارود ' أي وسيلة لهدم عاداتنا في التفكير والسلوك.

وهناك أسلوب ثالث هام من أساليب السير رياليين هو ما يسمونه الأسلوب (الأتوماتيكي) في الكتابة والرسم. وهنا يحاول الشاعر أو الرسام منهم أن يتجرد من رقابة عقله الواعي تاركاً لخياله العنان، حتى يصل إلى حالة تقرب من الغيبوبة، ثم يسجل كل ما يهب ويدب في نفسه من الخواطر أو يتراءى له من الأشكال

وقد استعار السير رياليون هذا الأسلوب الأخير عن فرويد. ففرويد يجلس مريضه على مقعد وثير مريح، ويوحي إليه بأن يرخي عضلاته ويرسل نفسه على سجيتها، ثم يبوح دون تحوط أو تحفظ بكل ما يخطر بذهنه من أفكار، وبكل ما يختلج في قلبه من عواطف. وبهذا يكتشف فرويد (العقد) التي تكونت من الرغبات المكبوتة في نفس المريض، فيصارحه بهذه الرغبات، ويحاول أن يقنعه بالتفكير فيها بعقله المنطقي الواعي وبالتنازل عنها إذا تعارضت مع حقائق الوسط الخارجي: يعني التسليم بالأمر الواقع. وهنا نقطة الاختلاف الجوهري بين فرويد وبين السير رياليين: فهؤلاء لا يريدون بحال من الأحوال سيطرة العقل الواعي على العقل الباطن، بل هم يريدون مواجهة العقل الواعي بالعقل الباطن، والمنطق بالخيال، والواقع بالحلم، والحقيقة بالخرافة، والحكمة بالجنون. . . محاولين أن يؤلفوا من هذه العناصر جميعاً أداة جديدة للتفكير والمعرفة والنظر إلى الأشياء

لهذا يتهم السير رياليون فرويد بأنه (قد اشترى جرأته في البحث العلمي على حساب التحفظ والتسليم بالأمر الواقع في الناحية الاجتماعية).

<<  <  ج:
ص:  >  >>