ومن ذوي الخط الرديء أيضاً ابن منظور المصري؛ رأيت بخطه جزأين من مختصر تاريخ دمشق والدارقطني المحدث؛ رأيت بخطه كتاب الكنى والأسماء للإمام مسلم، ومنهم ابن الصلاح، وابن خلدون. ومن متوسطي الخط الحافظ السلفي
قلت: ولا تنس العبد الفقير فهو من أصحاب الخطوط الرديئة
- ٢ -
ولقيت شيخنا بعد أن نشرت في الرسالة مقالي عن طرطوس وقبر الخليفة المأمون فتحدثنا عن هذه البلدة، وما كان لها من مكانة في الشعوب الإسلامية، فقال الشيخ:
كنت أعجب حين اقرأ في تاريخ كثير من علمائنا أنهم أقاموا في طرسوس، ولا أدري لماذا عني هؤلاء العلماء بالرحيل إلى هذا الثغر القصي، حتى قرأت في تاريخ أحدهم أنه سافر لأداء فريضة الحج ثم رحل إلى طرسوس للمرابطة، فعرفت أن علماءنا الذين رحلوا إلى طرسوس كانوا يؤدون سنة من سنن الإسلام في مرابطة العدو على الحدود الإسلامية
ممن رحل إلى طرسوس أبو عبيد القاسم بن سلام، أقام هناك زهاء اثنين وعشرين عاماً، وأبو داود المحدث صاحب السنن أقام بها إحدى وعشرين سنة وألف (السنن) هناك، وعبد الله بن المبارك كان يتردد على طرسوس ويطيل الإقامة بها، والثاني أقام وحدث فيها طويلاً. وممن رابط هناك أيضاً أبو زيد المروزي صاحب أعلى إسناد للبخاري، والإمام أحمد، ويوسف ابن أسباط وهو محدث عظيم أجل من ابن المبارك، أقام بطرسوس أكثر من عشرين سنة، وإبراهيم بن أدهم أقام بها ما لا يقل عن عشرين سنة. ولابن المبارك كتاب في مدح طرسوس وأهلها المجاهدين
وكان طرسوس والمصيصة وأذنه والهارونية من مواضع الرباط يكثر العلماء الإقامة فيها
قلت: هذا سر من أسرار عظمة الإسلام وعلوه، وتمكن المسلمين في الأرض. كان علماؤنا لا يرون العبادة اعتكافاً واعتزالاً ولكن جهاداً ورباطاً، كانوا يرجعون إلى الثغور القاصية على بعد الشقة ليجاهدوا أو يرابطوا فسيطروا على الدنيا بالدين ولم ينبذوها من أجله. كانوا كما كان الخليفة الرشيد عباداً حجاجاً غزاة مرابطين:
فمن يقصد لقاءك أو يرده ... ففي الحرمين أو أقصى الثغور