للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير أن يتعمد أنواع البديع في فتاة مكية

أما من حيث المحسنات البديعية فلعل الفرق ناتج عن المحيط الذي نشأ فيه كل واحد من الشاعرين. فقد ولد ابن الفارض في القاهرة ونشأ في محيط شرقي فاكتسب شعره المميزات التي كانت بارزة في بيئته بين معاصريه. أما ابن العربي فقد ولد بمرسية (في ١٧ رمضان سنة ٦٥٠هـ. أي ٢٨ يوليو سنة ١١٦٥م.) ونشأ وتأدب في بلدان الأندلس بين أشبيلية وسبتة، وقد استقر في الأولى ما يقارب الثلاثين عاماً، ولم ينزح إلى المشرق إلا عندما شارف الأربعين سنة ٥٩٨هـ (١٢٠١ - ١٢٠٢) فأكتسب شعره مميزات مواطنيه، وكانوا أقل عناية بالمحسنات اللفظية من شعراء مصر والشام والعراق

أما معشوقته ففتاة مكية تسمى (نظاماً) وتعرف بلقب (عين الشمس). وكان والدها من علماء فارس الذين نزحوا من بلادهم وأقاموا في مكة. وكانت لما عرفها ابن العربي في الرابعة عشرة من عمرها على كثير من العلم والمعرفة، بليغة الخطابة، جيدة الكلام، بارعة الجمال. وقد لقيها أثناء إقامته بمكة عام ٥٩٨ أي غب رحلته من بلاد الأندلس. ثم نأى عن مكة زمناً حتى إذا عاد إليها سنة ٦١١ نظم فيها بعض القصائد فوصف جمالها الفتان وعلمها الواسع وذكر ما كان بينه وبينها من حب. ثم رأى بعد ذلك أن يتبع هذا الديوان الصغير بشرح صوفي

بعد بنا هذا جميعه عن ضريح ابن العربي وزيارته

وهنا يجب أن أذكر شيخنا التفتازاني رحمه الله. سألته مرة أين قبر ابن العربي؟ فقال بأسلوبه العذب الذي تذكره: كيف لا تعرف ضريح ابن العربي؟ وكيف تزور دمشق ولا تزوره؟ إنه فيها بعد (الجسر) وتصل إليه بخط ترام معروف باسمه (الشيخ محيي الدين). ألم تقرأ في الشعراني قوله: (وقبر ابن عربي في الشام، وقد بنيت عليه قبة عظيمة وتكية وفيها طعام وخيرات) قلت ولكني أعرف أنه توفي بدمشق ولكنه نقل إلى جبل قاسيون ودفن بسفحه. قال: وقاسيون هو الجبل المطل على دمشق والذي بنيت في سفحه في شكل مدرج المدينة الجديدة والحي الذي يعرفونه اليوم باسم المهاجرين

وكان أني زرت دمشق بعد ذلك ولآخر مرة في صيف سنة ١٩٣٥، وأقمت فيها أياماً ضيفاً على أحد أقاربي، ولما كان يقيم بالصالحية، وهي في أول مرقى الجبل قبل المهاجرين، كنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>