للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا خالق الأشياء في نفسه ... أنت لما تخلقه جامع

تخلق ما لا ينتهي كونه ... فيك فأنت الضيق الواسع

وذكرت هذه الفلسفة الشمولية التي نادى بها العربي والقائمة على مذهب وحدة الوجود. ولا عجب فقد كنت (مسافراً) على حد تعبير ابن العربي الذي قال إن (السفر) عبارة عن القلب إذا أخذ في التوجه إلى الحق تعالى. ولا شيء أدعى إلى هذا التوجه مثل التأمل بجمال الطبيعة.

وفهمت وقتئذ كيف شذ ابن العربي عن أشياع نظرية واحدة الوجود المادية فتوجه بها إلى عبادة الخالق والشعور بالافتقار إليه تعالى، وهي عبادة الضعيف للقوي والفقير للغني. وفهمت كيف انه بالرغم من شعوره الديني الإسلامي العميق قال بوحدة الأديان لأنها جميعاً تدعو إلى عبادة الواحد المتجلي في صورهم وصور جميع المعبودات

والحق أنني اليوم وأنا أكتب إليك بين جداران حجرتي أجد من الصعب أن أذكر كل هذه الخواطر التي مرت بذهني بينما كنت انحدر من جبل (قاسيون) إلى دمشق.

وبعد فإني أرجو ألا تجد في هذه الرسالة صورة كاملة لابن العربي، ولكنها خواطر جالت بفكري عندما أردت أن أنبهك إلى ضرورة زيارة ضريحه. وأنت تجد أني لم أحدثك عن حياته وآرائه ومؤلفاته وما قام حول مذهبه من جدل حمل بعضهم على رميه بالكفر وما كان من أثره بين أهل الشرق والغرب وخاصة ما وجده المستشرق الإسباني (ميجل اسين) من شبه بينه وبين (دانتي) فألف كتاباً قرر فيه أن الشاعر الإيطالي أخذ كثيراً عن المتصوف العربي وتأثر به في نظم قصيدته الخالدة (الكوميديا الإلهية) أو كما قال البحاثة الإنكليزي (ألفريد جيوم) إن ابن العربي كان من الذين (أخرجوا للناس النماذج المدهشة الأولى للكوميديا الإلهية)

على أنني لا أريد أن أختم رسالتي إليك قبل أن أروي لك قصة ذات دلالة كبيرة على طريقة هؤلاء الصوفيين ومنازعهم الفكرية والتأملية. فقد رووا أن ابن العربي اجتمع بالشهاب السهروردي فأطرق كل واحد منهما ساعة ثم افترقا من غير كلام. فقيل لابن العربي ما تقول في السهروردي؟ فقال: (مملوء سنة من قرنه إلى قدميه) وقيل للسهروردي ما تقول في الشيخ محيي الدين؟ فأجاب: (بحر حقائق)

<<  <  ج:
ص:  >  >>