التاجر بضعة أمتار من السلك لتوصيل جرس كهربائي في مكتبك، فإنك تشتري طريقاً صالحاً لهجرة بلايين البلايين من الموجودات الصغيرة التي أطلقنا عليها إلكترونات، وهي التي شغل العالم مليكان بدراسة أحدها والتي تسري في السلك من طرف إلى طرف. وعندما تشتري من التاجر ذاته صماماً - أي مصباحاً للراديو - من هذه المصابيح الخاصة التي منها الثلاثي الأقطاب (تريود) أو خماسي الأقطاب بنتود والتي تتفنن الصناعة الحديثة في تقديمها إليك بدل مصباح تالف، فإنك تشتري في الواقع مكاناً صالحاً لإحداث هذه الإلكترونات التي تهاجر بين الكاثود القطب السالب والأنود القطب الموجب بعدد لا يمكن أن يتصوره العقل.
ترى كيف يمكن العثور على جُسيم مادي يعلق به أحد هذه الموجودات الدقيقة التي تعد أصغر ما نعرفه من الكون؟ كيف يتسنى لنا أن نستوثق من ذلك؟ بل كيف يتسنى لنا أن نرفع ونخفض الجسيم الحامل لأحد هذه الإلكترونات وفق إرادتنا؟ وكيف نعلم علم اليقين أنه حامل إلكتروناً طليقاً كما نعلم أن سيارة تنساب في الشارع بسرعة عظيمة تحمل السائق ولا تحمل غيره من الركاب؟
لقد أمكن للأستاذ الكبير مليكان أن يقوم بتجارب دقيقة حصل فيها على إلكترون حر واحد، وتيقن فريق العلماء معه أن هذا الذي حصل عليه مليكان في تجاربه هو إلكترون حر واحد. وسأشرح للقراء تجربة مليكان وهي مهمة أحاول تبسيطها للقارئ رغم صعوبتها. وأمامي الآن المذكرات العديدة التي نشرها الأستاذ مليكان، وأهمها نشرته التي قدمها لمؤتمر عقد في وينبج في أغسطس سنة ١٩٠٩ أي منذ ثلاثين عاماً، والمذكرة الإضافية التي ظهرت خلاصتها في المجلة الطبيعية ديسمبر من نفس السنة، ثم نشرته التي ظهرت في السنة التي تليها في الجريدة الفلسفية كذلك أمامي كتابه (الإلكترون) ' ولقد طالعنا هذه المذكرات في سنة ١٩٢٨ عندما أتيحت لنا فرصة الاشتغال بالأبحاث الطبيعية في معامل البحث بالسوربون بباريس، وهأنذا أعيد مطالعتها كما أعيد مراجعة الكتاب المتقدم لنستطيع أن نحدث قراء (الرسالة) عن علم، بوصف تجارب مليكان الخالدة، تلك التجارب التي مهدت لها أعمال كثير من الباحثين أمثال تونسند وولسون وهم من أعلام مختبر كافاندش الشهير الذي يكون جزءاً من جامعة كامبردج المعروفة