كهذا يترجم للغات الحية ويوزع في مشارق الأرض ومغاربها بالمجان - لما في ذلك من خدمة عامة وتعريف بالإسلام لدى أقوام لا يعرفون عنه شيئاً، أو لا يعرفون إلا ما ينقله لهم جماعة ساءت نياتهم، فحرفوا واختلفوا وشوهوا الإسلام بما كتبوا.
إلا أني بكل أسف، كما أشرت أولاً، لم أجد هنا مساعداً أو مشجعاً؛ فقد تحدثت في ذلك إلى كثير من إخواني النابهين المدرسين بالكليات - الذين كان لي ملء الثقة في غيرتهم على الدين ونشاطهم في العلم - فكان الإعراض والتثبيط مما جعلني أسوف في الأمر من يوم لآخر حتى انقضى العام الدراسي أو كاد. ويعلم الله أن من بين هؤلاء الإخوان من إذا كلفه أحد الناشرين بمثل هذا العمل أو أشق منه نظير دراهم معدودة لشكر الله على هذا الرزق الذي سيق إليه، ولأعطى من نفسه فوق طاقته حتى ينجز له ما طلب فينقده أجره!
أخيراً جاء أوان السفر هذا العام فسافرت ونزلت بين العائلة نفسها فكان من أول ما سئلت عنه أمر الكتاب الموعود.
لي الله، فما كان أشد خجلي وأعظم حيرتي! وبعد لأي وجمجمة اعتذرت بأن مثل هذا العمل، لخطره ومسئوليته، يتطلب الأناة وطول الوقت حتى يخرج كاملاً بالقدر المستطاع. فهل يرضى السادة شيوخي وإخواني هذا التقصير في أداء واجب ديني يقوم بأكبر منه وأشق مرات ومرات رجال الأديان الأخرى، بينما نقضي أوقاتنا في قال وقيل وأخبار العلاوات والدرجات والسعي لها بمختلف الوسائل!
يميناً بالله أنه لا يخطر لي بالبال تنقص أحد يشرف بالانتساب للأزهر - فلست إلا واحداً منهم ينوبني ما ينوبهم - وإنما هو أمر أحرجني وأخجلني وآلمني فوجدت فرجة للتنفيس عني، وإنما هو إحساس عميق ببعض ما فينا من عيوب؛ والإحساس بالنقص أول الخطوات للسعي نحو الكمال. على أنه لولا حرصي على أن يظل (الطابق مستوراً) لأشرت إلى بعض المقارنات بين كثير من علمائنا ورجال الدين في أوربا، الذين لقيت منهم الكثير من ناحية الثقافة الواسعة الكاملة، وقضاء العمر في طلب العلم وخدمة الدين بدافع من أنفسهم وتربيتهم التي نشأوا عليها، حتى ليصح بحق الكثير منهم ما كنا استأثرنا به طويلاً من أوصاف مشرفة: حبر، بحر، علامة!
وبعد، فهاأنذا - رغم عملي بالأزهر والدراسة الخاصة التي ندبت نفسي لها بفرنسا والتي