للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استخرجناها من بطون كتبنا أو وضعناها وضعاً، لابدّ لها من أن تحلَّ في الحافظة محل صيغ وألفاظ مقيمة. وفي العربية التي تدور على (ألسنة فصحاء الخطباء وأقلام بلغاء الكتاب) ما لا خير فيه بل ما يرد الأداء تفهاً أو يجعله حشواً. ومما يرد الأداء تَفِهاً تلك التعبيرات المطروقة من زمان قديم حتى إنها أضاعت قوَّتها بل لونَها، وقد بين ذلك الأستاذ أحمد أمين في كلامه على جناية الأدب الجاهلي. وبما يجعل الأداء حشواً تلك المترادفات والمتواردات التي يظن بعضهم أنها هي اللغة. ولو علموا أن متن اللغة ينهض الألفاظ المفردة والصيغ المستقلة بنفسها! ولكنه كان جيل من الناس ضاق أفق تفكيرهم فانقبضت صفحة تعبيرهم فمطَّوا أطرافها بالثرثرة والتكرار. فأن تُترك المطروقات وتُهجر المترادفات ويشغل مكانها صيغ وألفاظ لا غنى عنها، ذلك خير للغة ومَدَد للمتكلمين بها

ومن هنا يتبين أن ذلك الطارئ لا يطغى (اشد الطغيان على سائر اللغة) مهما ضخم، بل قل إنه لِقاح له من جانب المبنى والمعنى. أما المبنى فقد تقدم القول فيه. وأما المعنى فبتلك الصور التي تجلبها معها الألفاظ والصيغ الداخلة على اللغة المتداولة، فُيحقَن المجاز بدم فتىِ فيهتزَّ. وإنك لتلمس ذلك في الشعر الحديث في أوربة ولا سيما في فرنسة وإنجلترة ثم في النثر الرفيع هنالك: فكثيراً ما يستعمل الشعراء (شعراء ما وراء الواقعية مثلاً) والكتاب في فرنسة مثلاً) صيغ العلوم والفنون، طلباً للافتنان في التصوير

هذا من جهة الأدب الصرف. بقي أن أقول إن اللغة لا تنحصر في الإنشاء الأدبي. فثمة الإنشاء العلمي، وله أن يجري إلى جانب الإنشاء الأدبي: هذا في شعب وذاك في شعب، فلا طغيان ولا عدوان. وفي تاريخ آدابنا ما يؤيد هذا؛ فقد كتب الفلاسفة والموسيقيون والحاسبون وغيرهم ما شاءوا أن يكتبوا، فهل طغى ما كتبوا على قرائح الشعراء وأنفاس الكتاب؟ وكان طالب العلم المجتهد يحصّل العلوم والفنون؛ فإذا تفلسف بعد ذلك عمد إلى أسلوب الفلاسفة، وإذا تأدَّب نحا نحو المترسِلين

تلك خطرات خطرت وأنا أقرأ مقال الأستاذ الفاضل عبد العزيز البشري، وقد سأل سؤالاً فلعله يتقبل محاولة تعليق، وله مني التحية الخالصة.

بشر فارس

المنضدة

<<  <  ج:
ص:  >  >>