المراحيض والمزابل، وتكدست في بطونها الناس والبهائم، وتطرحت على أبوابها ومصاطبها الرجال والأطفال وقد هدَّتهم العلل وبَرَتهم الأسقام حتى ليعجزون عن دفع الذباب عن وجوههم الساهمة الشاحبة. فإذا سألت هؤلاء المنهوكين بالزُّحار والصُّفار والسُّلال والطُّحال والحمى والرمد: من الذي يزرع الأرض ويتعهد الزرع، ويحصد الثمر ويجمع الحصيد، وينجل العلف ويرعى الماشية؟ قالوا لك: يعمل ذلك كله قليل من الشبان الذين يدافعون المرض بالجلَد، وكثير من النساء اللاتي يغالبن الضعف بالصبر. ومما ترى وتسمع يتسنى لك أن تروز العبء الذي تحاول وزارة الشؤون الاجتماعية أن تضطلع به.
ولكن هل من الحق أن يلقى عبء الصحة العامة على كاهل هذه الوزارة المفدوحة بأمور المجتمع؟ إذن فماذا تصنع وزارة الصحة؟ والجواب أن الجهاد الصحي مفروض على الوزارتين جميعاً بنظام تقتضيه طبيعة كل منهما فلا يُثقل إحداهما ولا يعطل الأخرى. فكل ما يتصل بالوقاية والصيانة يرجع إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وكل ما يتعلق بالطب والعلاج يعود إلى وزارة الصحة؛ وقد يجوز لهذه بحكم خصوصها أن تصون وتقي، ولكن لا يجوز لتلك بحكم عمومها أن تعالج وتَطب.
فمن الطب الوقائي المنوط بوزارة الشاذلي باشا تخطيط القرية على نمط يكفل لها الشمس والهواء والجمال والذوق والراحة، وفصل الحظائر والمزابل عن المساكن، وتجفيف البرك والمستنقعات، وتطهير الماء الراكد من الطفيليات، وإنشاء المغاسل والمراحيض العامة، ورفع مستوى المعيشة القروية بتحسين الغذاء وتنقية الماء وتعميم النظافة، وإرشاد الفلاحين عن طريق الإذاعة والصحافة والوعظ إلى أنجع الوسائل في اتقاء العدوى وتدبير البدن.
ذلك عملها في القرية، وأما عملها في المدينة فبناء المساكن الصالحة للعمال، ومراقبة المعامل والمصانع من حيث الصحة، وملاحظة المطاعم والمشارب من حيث النظافة، ومراعاة الطعام والشراب من حيث السلامة، وحماية الطبقة العاملة من رهق العمل، ووقاية النفوس الغاوية من سموم المخدرات، وبث الروح الرياضية في كل طبقة، وإنشاء الملاعب والمسابح والأندية في كل بيئة، وإقامة المسابقات النهرية والبرية في كل فرصة، وتفريج الهموم بإقامة المهرجانات الشعبية في كل مناسبة، وتعميم الثقافة الصحية عن طريق التعليم والإذاعة والنشر.